+ A
A -
كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُكثر أن يُحدِّثَ أصحابه عن أحداث من الغيب تسليةً لهم وتعزيةً وتثبيتاً، فحدَّثهم مرةً عن رجلٍ أعطاه اللهُ مالاً كثيراً، ولكنه لم يشكر هذه النعمة، ولم يعمل خيراً قط، وإنما كان مسرفاً على نفسه، كثير الذنوب!
فلما حضرته الوفاة، جمعَ أولاده عنده وقال لهم: أيُّ أبٍ كنتُ لكم؟
فقالوا: خير أب
فقال لهم: فإني لم أعمل خيراً قط، فإذا متُّ فأحرقوني، ثم اسحقوني، ثم ذروني من يومٍ عاصفٍ!
فلما ماتَ نفذوا وصيته، حرقوا جثته، ثم سحقوا عظمه، ثم نثروا رماده في يوم عاصفٍ ففرقته الريح!
فجمعه اللهُ تعالى، وأقامه بين يديه، وقال له: ما حملكَ؟ أي لِمَ فعلتَ هذا؟
فقال: مخافتك يا رب!
فغفرَ اللهُ له!
لا يُفهمُ من هذا الحديث أنه لا بأس افعَلْ ما شئتَ ما دمتَ تحسِنُ الظنَّ بالله! وإنما يُفهمُ منه أنَّ حسن الظنِّ بالله ومخافته لا يتعارضان مع العمل الصالح، وإنما يتكاملان، فالعبدٌ في الدنيا بين ذنبٍ وتوبة، بين فعل خير وفعل شر، وحسن الظنِّ يعني أن يعرفَ العبدُ أن رحمةَ اللهِ أكبر من ذنوبه، دون أن يتجرأ على الله، ويبارزه بالمعاصي متكلاً على حسن الظن فقط! بل إن حسن الظن بالله يبقى ناقصاً ما لم يقترن بالعمل، صحيح أنه لن يدخل أحد الجنة بعمله حتى النبيّ صلى الله عليه وسلم، وإنما برحمة الله، ولكن ليس شيء أجلب لرحمة الله من العمل الصالح، وإلا لو تركنا العمل وإعتمدنا على حُسن الظن فما الغاية من إرسال الله تعالى الأنبياء بالشرائع والعبادات، كان يكفي أن يقولوا للناس: إن لكم رباً رحيماً فافعلوا ما شئتم!
وفي الحديث درس عظيم من دروس العقيدة، وهي أن لا يتألى أحد على الله تعالى، ويقطع بالنار لإنسان مهما بلغ من الفجور والمعصية، وإنما نحكمُ على هذه المعاصي، وذلك الفجور، بأنه خطأ، ويتنافى مع دين الله وسنة نبيه، نحكم على الفعل لا على الفاعل، أما الجنة والنار فبيد الله تعالى وحده، من أدخله النار فبعدله سبحانه، ومن أدخله الجنة فبرحمته!
فتأدبوا!
بقلم: أدهم شرقاوي
copy short url   نسخ
14/10/2021
1623