+ A
A -
?استيقظت قطر، صباح الثاني من أكتوبر 2021، على حدث وطني سياسي بارز، كان له حيز واسع وصدى لافت لدى دول ومنظمات ووسائل إعلام عالمية، حيث شهدت البلاد أول انتخابات تشريعية لاختيار أعضاء مجلس الشورى في حلته الجديدة عبر مشاركة شعبية.
وتوافد الناخبون منذ الصباح الباكر يوم أمس الأول على مقار الدوائر الانتخابية، ليدلوا بأصواتهم عبر صناديق الاقتراع في أجواء من المنافسة والشفافية والتنظيم المميز لتسفر عن فوز أول 30 عضوا منتخبا لمجلس الشورى.
وسيكون على عاتق المجلس المنتخب الكثير من الأعباء والمسؤوليات والملفات التي تشكل طموحات الشعب وتطلعاتهم لتحقيق أعلى درجات التطور والتقدم والتنمية في جميع المجالات، والمسؤولية الكبرى الحفاظ على الدستور بتشريع القوانين التي تكفل حقوق الوطن والمواطنين، وترسي مبادئ النزاهة والشفافية والعدالة، وتراقب الأداء العام، وتحاسب كل متجاوز أو متعدٍ أو فاسد، عبر القضاء المستقل النزيه، الذي يعتبر البيت الحامي للمجتمع.. وللجميع.
اليوم ظهر المجلس المنتخب للنور، وأمامه أربع سنوات كافية لصياغة اللوائح الداخلية ومراجعة القوانين، عبر جلسات دورية، ولجان متخصصة، وسن التشريعات اللازمة بما يتوافق مع مصلحة البلاد.. فلا مجال للتقاعس أو التهاون.. فالمجلس كله تحت رقابة الشعب، والبقاء للأصلح في الدورات القادمة.
اليوم أصبح لدينا مجلس شورى منتخب، يعبر عن إرادة الناخبين وخياراتهم وتطلعاتهم، فمنهم من اختار المرشح، تبعا لبرنامجه الانتخابي، ومنهم لمعرفة مسبقة بإمكانياته، وفي مثل مجتمعنا فإن الجميع معروفون، والمرشح عبارة عن كتاب مفتوح.
ونأمل أن تكون الخيارات صائبة، وأن تثمر مجلسا قادرا على القيام بمهامه وأعبائه على أفضل وجه، وفي كل الأحوال فإن الذين لم يحالفهم الحظ لم يكونوا أقل شأنا ممن نجحوا، لكن هذا هو حال كل انتخاب.. لابد من فائز.. والجميل ليس بيننا اليوم خاسر.. فالجميع مثمن ومعتز بمشاركته حتى وإن لم يحالفه التوفيق.
مهمة المجلس ليست سهلة، فالأعباء كبيرة، ونحن على ثقة بأن من وقع عليهم الاختيار سوف يبذلون الغالي والنفيس من أجل رفعة الوطن ورفاه المواطن، وهم يدركون أن لقطر دورا مهما ومحوريا في القضايا الإقليمية والخارجية ومركزا دبلوماسيا مرموقا وهدفها إشاعة أجواء الأمن والسلام على المستوى الدولي.
هذا بالإضافة إلى منجزات داخلية ومكاسب وطنية، يجب الحفاظ عليها وتطويرها للأفضل، عبر الاستماع أكثر إلى القواعد الانتخابية والملاحظات الشعبية، لتقريب المسافات بين المواطن وصاحب القانون والقرار.
في أبريل من العام الماضي، استضافت قطر اجتماعات الاتحاد البرلماني الدولي والاجتماعات المصاحبة لها في دورته الـ «140» بالدوحة تحت عنوان «البرلمانات كمنابر لتعزيز التعليم من أجل السلام والأمن وسيادة القانون»، بمشاركة «2200» شخصية، من أكثر من «160» دولة، وهو أكبر عدد يشارك في اجتماعات الجمعية العامة خارج مقر المنظمة في جنيف، إذ وقع اختيار اجتماعات تلك الدورة على الدوحة، تأكيدا وتعزيزا للدبلوماسية القطرية النشطة على مستوى العالم ودورها وجهودها في السلم الدولي، والسمعة الطيبة التي اكتسبتها.
في يناير الماضي زار السيد دوارتي باشيكو رئيس الاتحاد البرلماني الدولي قطر، وأثنى على النهضة الشاملة، والتطور الكبير الذي تشهده، ومما قاله أن «قطر أصبحت الآن أكثر قوة في العديد من المجالات، ونجحت بكل المقاييس في جعل الحياة أكثر رفاها ورقيا لمواطنيها وسكانها».
أستذكر كل ذلك وأضعه أمام أعضاء الشورى الكرام، فهم يمثلون اليوم مجلسا مهما، ليس لعرض قضايا وهموم المواطنين فحسب، على الرغم من أهمية ذلك بشكل أساسي، وإنما أيضا يمثلون مجلسا له دوره الرائد على الصعيدين الإقليمي والدولي.
مبدأ الشورى في قطر ليس حديثا إذا، فهي من الدول العربية التي أرست سلطتها التشريعية على أساس نظام الشورى المستمد من شريعتنا السمحاء، ومن أهم فوائده أن أمر المجتمع هو أمرهم وأمنه واستقراره هو جزء لا يتجزأ من مهامهم ومسؤولياتهم، كما أنه بالشورى يتم التفاعل الإيجابي والتحلي بروح المسؤولية تجاه القضايا التي تهم المجتمع، حيث تتضافر الجهود وتتوزع المسؤوليات وتُستغل الطاقات الموجودة، ويتم تداول الأفكار وتتنور الآراء وتتقارب وجهات النظر حتى نأخذ منها أحسنها.
تُعرَّف الشورى بأنها طلب الرأي ممن هو أهل له، أو هي استطلاع رأي الأمة أو من ينوب عنها في الأمور العامة المتعلقة بها، وقد اتخذ المسلمون الشورى أصلاً وقاعدة من أصول الحكم وقواعده، وأصلا من الأصول الأولى للنظام السياسي الإسلامي، ويستدل على أهمية الشورى بالقرآن والسنة، ونحن على يقين بأن الأعضاء المنتخبين يدركون كل ذلك، كما يدركون أن أمامهم مسؤولية تاريخية جسيمة عبر إعطاء المثل والقدوة للمجالس المقبلة بالعمل الجاد والدؤوب والشجاع، لجعل هذا المجلس علامة فارقة في تاريخ وطننا الحبيب، ومثالا يحتذى للعمل التشريعي الذي يستهدف خدمة هذا الوطن ومواطنيه بكل إخلاص.
أود أن أهنئ الفائزين، والكل فائز اليوم، الذين دخلوا المجلس، والذين لم يدخلوه، إذ أن الهدف الرئيسي لنا جميعـــا خدمــة وطننا الغالي، كل في موقعه، وأعتقد أن الفوز مغرم وليس مغنما، كما قالها «باري القوس» الدكتور علي بن فطيس، والذي حقق أعلى نتيجة تصويت في السباق الانتخابي، وأنا متفائل بأن أعضاء الشورى سوف ينهضون بالمهمة على أكمل وجه، بالتعاضد والتكاتف والولاء، فهذه هـــي شيم مجتمعنا وتوجيه قيادتنا منذ الأزل.
مشاهدات من الانتخابات
- جاء التنظيم بحجم الحدث وكانت التسهيلات حاضرة، رغم الحضور الكثيف في الدوائر إلا أن الطوابير مرت بانسيابية ووسط أجواء من الشفافية.
لكن الملاحظة كانت في غياب الأرقام بعد الفرز ليطلع الناخبون على عدد أصوات مرشحيهم ويعرفوا مراكز الترتيب بدلاً من الاجتهادات الذاتية والجهود الفردية.
- سعدت بمشاركة الزميلين حسن الساعي وعبدالعزيز آل إسحاق في السباق الانتخابي، فهما من النماذج الإعلامية المشرفة وكانا مميزين في برنامجيهما الانتخابيين وأيضاً في الروح الرياضية.
- المؤسسة القطرية للإعلام أحد الفائزين بتفوق وامتياز في هذا الحدث، حيث واكبته إعلامياً باحترافية وتوازن ومهنية، وقدم تليفزيون قطر تغطية استثنائية ومادة يومية كانت همزة الوصل بين المرشح والناخب.
- بسبب الإجراءات الاحترازية غابت بعض الفعاليات المصاحبة لأجواء الانتخابات المتعارف عليها، ومنها وجود مقار وخيم وندوات ولقاءات، ونتمنى أن تعود في الدورات المقبلة مع ضرورة وجود الوقت الكافي للتواصل بين المرشحين والناخبين للتعرف أكثر على قدراتهم.. وبرامجهم الانتخابية ومناقشتهم فيها لمعرفة الحقائق من الوعود البراقة.
- سعدت بفوز الأخ محمد يوسف المانع، لما نعرفه عن هذا الرجل من تواضع وخلق رفيع وإنجازات كبيرة سطرها في الرياضة الأولمبية، وهو قادر بإذن الله على تكرارها في المجلس.
- أعجبتني الروح الرياضية وتقبل عدم الفوز في معظم الدوائر، وهذا وعي انتخابي لأنه لا خاسر بيننا، ومن يصل فهو المفوض من الناخبين لخدمة الوطن وهذا هدف الجميع. وهنا أشيد بموقف المرشح يوسف بن محمد الكواري الذي حرص على الذهاب لمجلس منافسه الفائز بالعضوية عن دائرة الغارية مبارك بن محمد الكواري ليقدم له التهاني وسط أجواء من الألفة والمحبة.
- السفير يوسف الخاطر الفائز عن دائرة جنوب الوكرة رجل مذكور بالمواقف الطيبة مع أهل قطر إبان عمله في سفارة قطر في لندن وقبلها في أستراليا ونتمنى له التوفيق.
- لا أوافق على وصف مجتمعنا بأنه مجتمع ذكوري، حتى وإن لم تفز بالعضوية أي من النساء المترشحات.. فهذه مسألة خيارات وقناعات من المجتمع شارك فيها الجنسان بنفس المعايير وأتيحت للكل نفس الإجراءات والتسهيلات.
والمرأة بشكل عام تحظى بالتقدير التام في مجتمع متجانس قائم على التعاون والتعاضد والتكامل، وأثبتت كفاءتها في العديد من المهام والمسؤوليات التي تولتها، وليس معيارا غيابها عن أول مجلس منتخب.. فهي الحاضرة بتميز في أكثر من موقع.
- الشاب الواعد هلال سعد المهندي كان من أبرز الأسماء في هذه التجربة، وسجل حضورا لافتاً في تقديم نفسه وفكره عبر برنامجه الانتخابي في دائرة الخور والذخيرة.. والمستقبل أمامه.
- «المغرد الوطني» لقب يستحقه الناشط الاجتماعي حمد لحدان المهندي، وهو مثال يحتذى به في النشاط والسلوك .. وتجده دائماً حاضراً مشاركاً بفعالية وحيوية مع الأحداث الاجتماعية والوطنية ومساهماً بفكره النيّر في إرساء قواعد أخلاقية وآراء موضوعية .. مما جعل له القبول والتمكين في وسائل التواصل الاجتماعي، وما مساحته الصوتية في تويتر للحديث عن الانتخابات إلا دلالة على مهنيته وشعبيته ومساهمته في خدمة الوطن.
- بالمصادفة.. كان يوم الانتخابات مصادفا ليوم ميلادي.. لكن الأهم هو ميلاد فجر جديد لبلادي نتطلع فيه أن تتواصل مسيرتنا ويحفظ الله أمننا وشعبنا ونسيجنا الاجتماعي لنبقى كما عرف عن أهل قطر.. إن قوتهم في وحدتهم.. وبتكاتفهم يتجاوزون الأزمات ويكسبون التحديات.
copy short url   نسخ
04/10/2021
5523