+ A
A -
صحيح أنّ الحرية والتحرر من ربقة الاستبداد كانت حلما راود أجيالا من العرب والمسلمين طيلة عقود من الزمن حيث تلخّص المشهد في سقوط الاستبداد واندحار الدكتاتورية. منذ عشر سنوات حدث ما لم يكن متوقعا فانهارت أنظمة عتيدة بسرعة لم تخطر على بال أحد.
تختلف القراءات وتتباين فمنها من يرى أن الربيع قد أغلق بابه ومنها من يرى أن الثورات نفسها كانت مؤامرة بل منها من يرى أنه لم تكن هناك ثورات مطلقا بل هي انقلاب على النظام القديم. لكن الرأي العقلانيّ الأرجح هو ذاك الذي رأى فيها أهمّ إنجازات العرب على مدار تاريخهم المعاصر لأنها المرّة الأولى التي تنجح فيها الشعوب المسحوقة في الإطاحة بأكثر من نظام استبدادي في وقت وجيز.
لا يمكن أن ننكر اليوم وقد تغيّر السياق أنّ الملايين كانوا هناك في الساحات والميادين والشوارع يطالبون بإسقاط بعض الأنظمة ويطلبون الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، ولا يمكن أن ننسى حجم التضحيات والدماء التي سُكبت في سبيل التحرر والانعتاق، لا يمكن أن ننسى كل هذا لأن التراكمات التاريخية لا تتبخر بتغيّر السياق بل تتحول وتتراكم وتتجدد.
يقول منطق التاريخ إنّ حركات الوعي الاجتماعي لا تنتهي إلا إذا انتهت الشروط التي أدّت إليها وهو الأمر الذي ينسحب على حركة الوعي الجمعي التي قادت إلى ثورات الربيع، إنّ بقاء ممارسات القمع وتواصل أنساق الاستبداد وتمدّد انتهاكات حقوق الإنسان بشكل أشد توحشا مما كان عليه قبل الثورات هو الرافعة التي ستجدد أشكال المطالب الاجتماعية لتحقق ما فشلت فيه الموجة الثورية السابقة.
إن انتكاسة الحراك الاجتماعي عربيا تؤكد أن الفعل الجمعي لم يستكمل طور نضجه التاريخي وهو الأمر الذي مكّن من انكسار الموجة الثورية الأولى وانحسارها، لكنّ الدروس المستفادة من هذه التجربة الأولى هي التي ستصنع شروط نجاح الموجات الجديدة وعيا منها بأن المعركة مع الاستبداد معركة وجود وفاتحة لكبرى معارك تحرير الأرض وتحرير الإنسان وبناء الأمة.
بقلم: محمد هنيد
copy short url   نسخ
30/09/2021
1848