+ A
A -
كان الفُضيل بن عياضٍ في شبابه قاطعاً للطريق، يكمن للمسافرين في الليل، فإذا وقع على رجلٍ وحيد أو رجلين هجم عليهما وسلبهما ما معهما.
وكان سبب توبته أنه عشِقَ جارية، فبينما هو يرتقي الجدران إليها ليقابلها، سمع جاراً لها يقوم الليل ويقرأ: «أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ».. فأصابته هذه الآية في قلبه مباشرة، فقال: يا رب قد آن!
فرجع من لحظته، وأوى إلى خربة، فإذا فيها ناسٌ يريدون السَّفر، فقال بعضهم: نُسافر الآن.
وقال بعضهم: نسافر حين نصبح، فإن الفُضيل بن عياضٍ يقطعُ الطريق علينا!
فلما سمعَ حوارهم قال في نفسه: ويلكَ يا فُضيل، تسعى في الليل بالمعاصي، وتُخيف المسلمين، واللهِ ما أرى اللهَ إلا قد ساقكَ إليهم لتردع!
اللهم إني قد تبتُ إليكَ وجعلتُ توبتي مجاورة بيتك الحرام.
فذهبَ الفُضيل إلى مكة، وتفرّغ للعبادة والعلم، حتى صار أحد أشهر التابعين وأعظمهم في تاريخ الإسلام!
وعن الفضيل بن عياض قال الذهبي: الفُضيل، الإمام القدوة، الثبت، شيخ الإسلام!
وقال عنه ابن حجر: الفُضيل ثقة عابد إمام!
وقال عنه عبدالله بن المبارك: ما بقيَ على الأرض عندي أفضل من الفُضيل بن عياض!
وقال عنه النسائي: الفُضيل رجل ثقة، مأمون، صالح!
الفكرة من كل هذا أن لا تفقدَ الأمل من أحدٍ أن يعودَ إلى الله، فليسَ بعد الشرك ذنب أكبر من القتل، وإن الذي قتل مائة نفسٍ قد تركَ قريته وخرج تائباً، فمات في الطريق، فقبضته ملائكة الرحمة!
والسحرة الذين خرجوا لنزال موسى عليه السلام يوم الزينة، ما لبثوا أن أسلموا، كانوا في الصباح سحرةً، وفي المساء شُهداء، صلبهم فرعون في جذوع النخل فلم يردهم ذلك عن دينهم شيئاً!
ولكثرة ما كان عمر بن الخطاب شديداً على المسلمين كانوا يقولون لن يُسلم عُمر ولو أسلمَ حمارُ الخطَّاب! ثم أسلم عمر، فكان إسلامه فتحاً، وهجرته نصراً، وخلافته رحمةً!
والفكرة الثانية لا تأمن الفتنة على أحدٍ، فالذين عبروا البحر مع موسى عليه السّلام خرجوا معه من مصر مؤمنين، فشقَّ لهم البحر بعصاه، ومشوا فيه، ثم لما عبروا إلى الضفة الأخرى، عبدوا العِجل!
هذه القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن، يُقلبها كيف يشاء، فسلوه الثبات، فقد كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يدعو دائماً: يا مُقلِّب القلوب ثبِّتْ قلبي على دينك!
بقلم: أدهم شرقاوي
copy short url   نسخ
26/09/2021
2859