+ A
A -
حمد حسن التميمي
تبدو الحياة البشرية في بعض الأحيان أشبه بقانون الغاب، حيث البقاء للأقوى في حين لا مكان للضعيف. هكذا يراها الكثيرون ممن يتهافتون على نيل استحسان أصحاب السطوة والنفوذ والأموال الطائلة في مجتمعاتنا الإنسانية دون أي اعتبارات أخرى.
لكن الغريب في الأمر، أن من يفضلون القوي لا يدركون أنه لم يصل إلى ما هو عليه إلا على أكتاف الآخرين ممن قد يعتبرهم أقل شأناً، وبفضل مساعدة من حوله مهما كان عصاميّاً. فلولا الموظفون الذين يعملون ليل نهار ويأتون بعشرات الأفكار المبتكرة، لما غدا صاحب تلك الشركة العملاقة مثلاً واحداً من أثرى أثرياء العالم، وهكذا دواليك.
فالتجمع والعمل المشترك وتعاضد الناس مع بعضهم البعض هو أساس كل قوة وإنجاز، فهم أشبه بسلسلة واحدة تكمن قوتها في أضعف حلقاتها، كما هو الحال في فرق العمل داخل المؤسسات على اختلافها، حيث لا يتحقق النجاح الحقيقي إلا بتماسك الجميع وسعيهم الجماعي لتحقيق أهداف المؤسسة ابتداء من أصغر موظف فيها، وصولاً إلى أعلى مدير.
وبالتالي، فقوة المجتمع ككل رهينة بقوة أضعف فئاته، وهي تلك الفئات العاملة من الطبقات الكادحة، التي لولاها لما وصلنا إلى ما نحن عليه اليوم من حضارة وتقدم ورقي. فهل كنت سترى كل تلك الأبنية الشاهقة البديعة والصروح التاريخية المجيدة وغير ذلك من إنجازات وإسهامات جليلة، لولا الجهود الجبارة التي بذلها كل فرد قام بحمل طوبة ليضعها كأساس لذاك العمران، أو ساهم في تحقيق مكاسب الشركة التي يعمل بها؟!
لذلك فقوة أي أمة لا تكمن بيد أصحاب النفوذ فحسب، بل في الشعب الذي يعتبر أساس كل حضارة، ابتداء من الفرد الواحد الذي إذا أولينا تربيته منذ الصغر اهتماماً كبيراً، لغدا في المستقبل واحداً من المشاركين الحقيقيين في عملية التنمية والنهوض.
لهذا، فالمدرسة والمنزل هما الصرحان الأساسيان اللذان يُبنى الإنسان بداخلهما، ليكون جزءاً من سلسلة المجتمع المتحدة. وعليه، فالواقع ينقل لنا نماذج حية تدل بشكل صارخ على أننا كلما أدركنا أهمية أضعف حلقة في السلسلة «الفرد»، حققنا المزيد من التقدم والقوة للأمة بأسرها.
حيث إنك ستلاحظ بوضوح أن الدول التي تهتم بمواطنيها والقاطنين على أراضيها، وتعمل على تحقيق المساواة بين الجميع والحفاظ على حقوق أبسط فرد في المجتمع، وضمان حريات وأمن الكل دون استثناء ارتقت إلى مصاف بلدان العالم، والعكس صحيح بالضرورة.
وهنا يأتي دور الوالدين والقائمين على التعليم والتشريع، لإعطاء الاهتمام اللازم للطفل منذ نعومة أظفاره. حيث يجب على كل أب وأم أن يسعيا إلى تنشئة أطفالهما على حب العلم والشغف بالمعرفة وإرساء معايير القيم الأخلاقية في داخلهم، إلى جانب المعلم الذي ينبغي أن يسهم في تربية الطفل وتنمية عقله ووجدانه، ثم الدولة التي تسن القوانين التي تضمن حرية الإنسان وحقوقه بغض النظر عن وضعه الاجتماعي أو المادي أو مكان نشأته.
كما أن على المؤثرين في المجتمعات من مشاهير وفنانين وأدباء وشخصيات بارزة ومن شاكلهم، أن يأخذوا دورهم في التأثير على المجتمع بصورة إيجابية، فيقدموا المحتوى القيم ويرتقوا بعقول الناس، فضلاً عن دور الإنسان الفرد الكبير في النهوض بمجتمعه، فلكل منا قيمة وأهمية عظمى مهما كان سنه ومهما كانت حالته المادية أو المعيشية أو الصحية.
إن السلسلة لا تقوى إلا بأضعف حلقاتها، فلا يوجد إنسان على وجه الأرض إلا ولوجوده معنى وقيمة كبيرة. وبإدراكنا لهذه الحقيقة وسعينا إلى الاسترشاد بها نرتقي بأمتنا، انطلاقاً من الفرد الواحد الذي هو أساس كل تقدم وتطور ونهضة.
copy short url   نسخ
04/08/2021
706