+ A
A -
قالت عائشة يوماً للنبيِّ صلى الله عليه وسلم:
يا رسول الله، عبد الله بن جدعان كان في الجاهلية يصل الرَّحم، ويُطعم المسكين، فهل ذاك نافعه؟
فقال لها: لا ينفعه، إنه لم يقُلْ يوماً: ربِّ اغفِرْ لي خطيئتي يوم الدين!
مما ابتُلي به المسلمون هذه الأيام أنه إذا ماتَ الكافر وكان مخترعاً شهيراً، أو محسناً معروفاً، أو طبيباً رحيماً، قالوا: الدين للهِ، والله أعلمُ بما في قلبه، وإن لم يكن مثله من أهل الجنة فمن عساه يكون! وربما قالوا جملتهم المعهودة: له ما له، وعليه ما عليه!
وإذا مات العالم والفقيه من المسلمين، قالوا: أليسَ هذا الذي أفتى يوماً بكذا وكذا؟!
يبحثون للكافر عن أحسن عملٍ عمله في الدنيا، وللمسلم عن أقبح عملٍ عمله!
بدايةً علينا أن نتأدب مع الله، فلا نقطع لأحدٍ بجنةٍ أو بنارٍ، فأمر الناس جميعاً إلى الله، إن شاءَ أدخلهم الجنة رحمةً منه، وإن شاء أدخلهم النار عدلاً منه!
ولكن من الفهم السقيم أن نخلط بين الأعمال الحسنة التي يقوم بها الإنسان، وبين عقيدته ودينه الفاسدين!
صحيح أن غير المسلمين ليسوا سواءً، تماماً كما أن المسلمين ليسوا سواءً، ولكن أن نعتقد أن النجاة من النار تكون بدواء يخترعه طبيب، أو بدار أيتام يفتحها ثري، فنترك الدين جانباً على اعتبار أن الدين المعاملة فهذا تسخيف وتسطيح لقضية التوحيد التي لأجلها خلق الله الخلق، وأرسل الرسل، وأنزل الكتب، وكانت الجنة والنار!
نعم.. نعترف بفضل الكافر إن كان له فضل، ونشيد بعمله الإنساني، فهذا من العدل الذي أُمرنا به، أما أن نجعل هذا ثمناً لدخوله الجنة، فهذا من فساد الاعتقاد، والجنة لا يُقطع لها للطائع من المسلمين حتى يُقطع بها للمحسن من الكافرين!
إن الخير الذي يقوم به غير المسلم هو من الفطرة التي فطر الله تعالى عليها الناس، وإنَّ الله أعدل من أن يعلم أن في قلب عبدٍ من عباده خيراً ويتركه يموت على غير الإسلام!
يقول الحسن البصري: دخلتُ على بعض المجوس وهو يجود بنفسه عند الموت، وكان منزله بإزاء منزلي، وكان حسن الجوار، حسن السيرة، حسن الخُلق، فرجوتُ الله تعالى أن يوفقه عند الموت، ويميته على الإسلام.
فقلتُ له: ما تجد، وكيف حالك؟
فقال: قلبٌ عليل ولا صحة لي، وبدن سقيم ولا قوة لي، وقبر موحش ولا أنيس لي، وسفر بعيد ولا زاد لي، وصراط دقيق ولا جواز لي، ونار حامية ولا بدن لي، وجنة عالية ولا نصيب لي، ورب عادل ولا حجة لي!
فقلتُ: ألا تُسلم لتسلمَ؟!
فقال: يا شيخ إن المفتاح بيد الفتَّاح، والقفل هنا وأشار إلى صدره، وغُشي عليه!
فقلتُ: إلهي وسيدي ومولاي، إن كان سبقَ لهذا المجوسي عندك حسنة فعجِّل لها إليه قبل فراق روحه من الدنيا.
فأفاق من غشيته، وفتح عينيه، ثم قال: يا شيخ إن الفتَّاح أرسل المفتاح، أمددْ يُمناك، فأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله!
ثم خرجتْ روحه.
بقلم: أدهم شرقاوي
copy short url   نسخ
29/07/2021
1325