+ A
A -
حمد حسن التميمي
تعاني مجتمعاتنا العربية نقصاً واضحاً في مجال أدب الطفل، بخاصة في السنوات الأخيرة التي شهدت تطور عالم الإنترنت الذي حرم الصغار من الحميمية المجتمعية، وأبعدهم عن الكتاب الورقي ومصادر المعرفة المباشرة، مما أدى إلى تدني الأعمال الأدبية الموجهة للطفل العربي.
في البداية، كانت نقطة انطلاق أدب الطفل من قلب مجتمعنا العربي متأخرة، مقارنة بنظيره في الدولة الغربية، حيث لم يحظَ بدعم دور النشر والمدارس الفكرية، إلى جانب تقاعس أدباء العرب عن رفد عالم الطفولة بما يثريه نتيجة أسباب عديدة يطول شرحها.
لكن لم يمضِ وقت طويل، حتى شرع الأديب المصري كامل الكيلاني بترجمة وكتابة القصص بعيد زيارته إلى أوروبا، ليرفد الطفولة العربية ويثريها بأجمل الأعمال. لكن رغم ذلك، ظل دعم الحكومات لأدب الأطفال محدوداً للغاية، فضلاً عن التكلفة الباهظة لطباعة الكتب وتوزيعها، مما كان سبباً حال دون انتشارها في مختلف الأوساط المجتمعية.
بالإضافة إلى ذلك كله، ما نزال نعاني كمجتمعات عربية حتى اليوم من الأمية على نطاق واسع، وافتقار صغارنا وشبابنا إلى حب المطالعة، الذي من المفترض أن يُزرع في الإنسان منذ عهد الطفولة. كيف لا والكبار يعزفون عن قراءة الكتب حتى اللحظة؟! وبمقارنة سريعة بيننا وبين الغرب، فإنك ستجد أن سلسلة هاري بوتر على سبيل المثال لا الحصر، بيعت منها ملايين النسخ في أوروبا فور صدورها، بينما لو قام أديب عربي بتأليف قصة للأطفال، ثم طُبعت منها 5000 نسخة مثلاً (عادة تطبع 1000 نسخة من القصة لا أكثر)، فسيباع منها بعد حوالي 10 سنوات ما لا يزيد على 2500 نسخة فقط!
واستمر الحال على هذا المنوال من قلة أو حتى انعدام الدعم المقدم لأدب الطفل العربي، حتى صارت شبكة الإنترنت تمثل كل حياتنا، وبدأ الأطفال في تقليد الغرب اقتداء بما يرونه في العالم الافتراضي أو مما يقرؤونه «إذا هم قرأوا» في القصص المترجمة إلى العربية والتي تحمل الفكر الغربي، بدلاً من أن يكون لدينا أدب خاص بالطفل العربي، مكتوب على أيدي أدبائنا، لينقل له قيم وعادات أمته.
ليس عيباً أن نتعلم من الآخرين، ونفتح عقولنا على ثقافات الشعوب الأخرى، لكن العيب كل العيب ألا يكون لنا إسهامات فكرية وأدبية خاصة بنا. إن في ثقافتنا العربية الكثير من الأشياء الجميلة والقيم الإنسانية الرفيعة كالتسامح والكرم وحسن الضيافة.. إلخ، والتي يمكننا أن نعلمها للطفل من خلال الأدب الموجه إليه منذ نعومة أظفاره، عوضاً عن الاستخفاف بهذا المجال الأدبي وعدم إعطائه حقه.
اليوم، نحن بحاجة إلى وقفة من جهابذة الأدب، ودور النشر ومؤسساته، وكل إنسان تهمه مصلحة الأمة العربية، كي نعيد إحياء هذا الفن الأصيل، ونبدأ في دعم الأقلام الفذة المبدعة القادرة على إثراء حياة الطفل العربي بقصص تسمو بعقله وقلبه.
إن لدينا قامات عالية وأصحاب فكر يضاهون الغربيين بل ويفوقونهم ذكاء وموهبة في الكتابة والتأليف، فلمَ لا نقدم لهم كل دعم ممكن، لتزهر مواهبهم داخل أرض الوطن لا خارجه، وليجدوا بين حدود الأرض التي يعيشون في ربوعها كل الدعم والحرية لإبداع ما يثري حياة الطفل، وينمي مداركه، ويرتقي بقيمه الأخلاقية والإنسانية.
علينا الآن وقبل فوات الأوان، أن ندرك جيداً بأن ازدهار الحضارة وتقدمها مرهون بالطفل، الذي سيغدو في يوم من الأيام عماد الوطن والقوة التي تدفع عجلة التقدم في مختلف الجوانب. إن اهتمامنا بأدب الطفل الذي يعد نافذة على عالم الطفولة، ووسيلة مهمة لتنشئة أبنائنا على القيم العربية الأصيلة، هو خير سبيل إلى صناعة أجيال واعية تنهض بالأمة العربية لتكون في القريب العاجل- كما نأمل– بين مصاف الأمم.
copy short url   نسخ
01/07/2021
1445