+ A
A -
أدهم شرقاوي
قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم يوماً لأصحابه، حاثاً على التكافل والتراحم: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسَّهر والحمَّى»!
وروى الأبشيهي في رائعته المستطرف في كل فنٍّ مستظرفٍ، أنَّ رجلاً جاء إلى أحد التابعين وكان بينهما صداقة ومودة، فطرق عليه، فلما خرج قال له: ما جاء بك؟
فقال: عليَّ أربعمائة درهم وقد عجزتُ عن سدادها!
فدخلَ إلى بيته مسرعاً، وعدَّ الدراهم، وأعطاه إياها
ثم عاد إلى الدار باكياً، فقالت له زوجته: هلاَّ اعتذرتَ منه إن كان إعطاؤه يشقُّ عليكَ؟
فقال لها: إنما أبكي لأني لم أتفقد حاله، فاحتاج أن يقول ذلكَ!
لقد اعتبرَ هذا الرجل الشَّهم الكريم سؤال صاحبه له عن دينٍ عجز عن سداده عيباً بحقه، فهو يعتقدُ أن من واجبه أن يتفقد حاله، وينظر في حاجته ولا يضطره إلى السؤال!
درس عظيم ليس في الكرم فقط، وإنما في حفظ ماء الوجوه، وكرامة الناس!
وفي ذات السياق قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم مرةً لأصحابه: المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدُّ بعضه بعضاً، وشبَّكَ بين أصابعه!
خرجَ جيشٌ من جيوش المسلمين إلى الجهاد، وكان بينهم وبين عدوهم نهر، فأمرهم القائد أن يخوضوا النهر ليصلوا إلى عدوهم، فلبوا الأمر على الفور، والعدو يشهدهم من بعيد، وفي وسط النهر سقط إناء أحدهم، فصاح إنائي، إنائي!
فقال الذي عن يمينه: الإناء، الإناء
وقال الذي عن يساره: الإناء الإناء
كلهم يريدون أن يعيدوا إليه إناءه
فدبَّ اللهُ الرعب في قلب عدوهم، وقالوا: إذا كانوا يفعلون ذلك من أجل إناء أحدهم فماذا يفعلون لو قتلنا منهم نفساً!
بمثل هذا سادت الأمة، وحكمت هذا الكوكب من مشرقه إلى مغربه، بعقلية الجسد الواحد، وبفلسفة التراحم والتكافل، بالدمعة يبكيها الصديق إذا علم أنَّ لصاحبه حاجة لم يعرف بها، وبإناء فرد واحد يصبح قضية الجيش كله!
copy short url   نسخ
22/06/2021
3607