+ A
A -
رشا عمران
كاتبة سورية
المشهد هو التالي..
رئيس النظام السوري بعنقه الطويل يلتقط صورة (سلفي) وهو يقف وسط مجموعة من الفتيات السوريات الشابات (وللصدفة كلهن محجبات دون استثناء)، هو بابتسامة شبه بلهاء، وهن بابتسامات لا يمكن اختبار ما وراءها، إذ هي ابتسامات تشبه ابتسامات السوريين كلهم قبل 2011، حين يتواجدون حول أحد ما في السلطة، حتى لو كان مجرد مدير عام أو رئيس منظمة لا سيما في الاحتفالات ذات الطابع (الوطني)، فما بالكم حين يكون هذا المسؤول هو الرئيس؟ سوف تكون الابتسامة نوعا من التطهر الوطني، «أنا أبتسم بسعادة بحضور المسؤول يعني أنني وطنية، وأنتي لست من المعارضين لسياسة هذا المسؤول الذي يمثل سياسة البلد/ الرئيس»، ابتسامة تشبه درع الحماية، أو تشبه الإقرار والتعهد بعدم معارضة سيادة البلد/ الرئيس.
الصورة تلك قيل إنها في أحد معامل مدينة عدرا السورية (قرب العاصمة دمشق) أثناء زيارة رئيس النظام السوري لها بعد إعادة انتخابه أخيرا، في محاولات من النظام لإعادة الاعتبار إلى سمعته وصورته التي تهالكت خلال السنوات العشر الماضية، ولعل اختيار شابات محجبات فقط، هو في السياق ذاته، فمدينة عدرا، مكان الصورة، هي من المدن التي يسكن فيها سوريون من مختلف المحافظات والانتماءات (قوميات ومذاهب)، فهي مدينة صناعية أنشئت لتستقطب منشآتها عمالا وموظفين من كل سوريا، فاختيار نموذج واحد فقط من السوريين ليلتف حول رئيس النظام ويلتقط معه صورة (سلفي) ليس عبثا ولا عفويا ولا بمحض الصدفة (لا يحدث شيء في سوريا بمحض الصدفة)، اختيار شابات محجبات هو للقول: «إن من بقي في سوريا هم الوطنيون فقط، ومن خرج هم الخونة، فما حدث لم يكن ثورة بل مؤامرة، ولم تكن اعتراضا من الأغلبية على حاكم ينتمي إلى أقلية، فحجاب هؤلاء الشابات يدل على أنهن من الأكثرية السورية، وبالتالي فإن ما قاله الرئيس في خطابه بعد الفوز بالانتخاب عن تعريف الوطنية والخيانة صحيح»، أما اقتصار الصورة على العنصر النسائي فهو أيضا تبييض لصورة النظام وإظهاره بمظهر رئيس دولة حديثة تحظى الكتلة النسائية فيها بقيمة عالية.
أما الأكثر غرابة في الصورة فهو تناقلها على مواقع سورية رسمية وخاصة مرفقة بكلام يكشف عمق الفجوة التي حدثت في المجتمع السوري، ويكشف المسافة المهولة بين المنظومة الفكرية لمؤيدي هذا النظام، وبين المنظومة الفكرية لعموم البشر حول العالم، إذ أرفقت الصورة بالجملة التالية، وأنا أنقلها حرفيا كما كتبت بالعامية السورية (لو ماكرون عم يتصور هيك مع أبناء شعبو كان هلق تحت الصرامي، هذا الفرق بين محبوب الشعب وبين مكروه الشعب)، طبعا واضح أنه إشارة هنا إلى الصفعة التي تلقاها ماكرون قبل أيام قليلة من مواطن فرنسي يميني متعصب، حكم عليه بالسجن 6 أشهر بتهمة الاعتداء على موظف حكومي، ثم خفف الحكم بعد أن قدم محاميه مرافعة مهمة، وعاد المواطن الذي صفع رئيس واحدة من أهم الجمهوريات في العالم إلى بيته سالما.
أفكر دائما هل محبو بشار الأسد يحبونه فعلا، أم هو العقل الباطن الخائف واللاوعي الجمعي الذي تعود على النفاق يوحي إليهم بحب ليس موجودا أساسا؟ وكيف يفكرون حين يرون بلدا مثل فرنسا يتمتع شعبها بكل الحقوق التي تحلك بها شعوبنا ومع ذلك لا يتورع مواطن لا يعجبه الرئيس عن صفعه دون خوف من العقاب؟! كيف تخطر لهم المقارنة أصلا، وكيف يرون أنفسهم؟ كيف أصبحنا، نحن شعوب هذه البلاد المنكوبة على هذه الدرجة من الدونية التي تجعلنا ذليلين ومهانين ومع ذلك مستعدون لتقبيل أقدام من يذلوننا، وهو على كل حال ليس شأنا خاصا بالسوريين فقط، بل بكل الدول المحكومة بأنظمة استبدادية، حيث تتماهى هذه الشعوب الضحية مع جلاديها من الأنظمة إلى درجة تنمحي معها كينونتها بالكامل ولا يتبقى منها ما يمكن التعويل عليه لتغيير قريب، وهذا أيضا ظهر لدى الكثير من مؤيدي الثورة، ممن ناهضوا الأسد لكنهم بحثوا عن (زعماء) آخرين كي يتماهوا معهم، في ظاهرة مرضية ربما تحتاج عقودا طويلة لتشفى شعوبنا منها.
صفع مواطن فرنسي ماكرون على خده الأيمن وربما يقدم ماكرون خده الأيسر لغاضب آخر، بينما نحن- السوريين- نجلد وندعس بالأحذية في كل مكان من أجسادنا وأرواحنا.. ونطالب بالمزيد.
copy short url   نسخ
15/06/2021
1626