+ A
A -
داليا الحديدي
كاتبة مصرية
يقولون إن زمار الحي لا يطرب، ويقولون أيضاً إن كل نبي في وطنه مهان، أو لا كرامة لنبي في قومه. وأهل الغرب يقولون: «إن العشب دائمًا أكثر اخضرارًا في حقول الآخرين». وبحسب المفكر الفلسطيني عدنان ابراهيم: «فمن السهل أن يعترف بك العالم بأسره، لكن تأكد أن آخر من سيقر بك هو ابن بلدك، إذ لن يعترف بك أبناء بلدتك أو عشيرتك أو أبناء دارك إلا بعد أن يكسر العالم عنادهم بمنحك جائزة عالمية أو سواه من الشهادات المخرسة للظلم.
لذلك فمن الخطأ أن تأخد رأي الإنسان في ابن بلده أو ابن بيته إلا بعد أن يتحقق ويصبح أكبر من المنافسة.. هنالك فقط يحصحص الحق».
ونحن في موسم الرحيل، يستوقفني في وسائل التواصل الاجتماعي سيل الرثاء للموتى والذي – للأسف- لم يقدر لهم أن يسمعوه.
فهذه زوجة نعت زوجها رجل الأعمال الشهير الذي راح مع أول من راحوا من ضحايا الوباء منذ قرابة عام مضى.
سطرت السيدة منشورًا لم تشر فيه إلى مال زوجها أو منصبه أو مكانته الاجتماعية أو وسامته أو علمه أو حيثياته ومهاراته. لكنها فقط أثنت عليه كونه أكرمها وعوضها وأكرم أسرتها ولم يهن أولادها يوماً ولم تشعر معه يوماً أن عمرها راح سدى. وختمت منشورها بجملة قالت فيها: «سنرحل جميعا ويبقى الأثر».
وحين رحل ممثل مصري شهير، رثته زوجته بكتاب كامل بعنوان: «أيام في بيت المحترم››.
أعلم أن عددا كبيرا من النساء لا يعنيهن سوى أن ينعمن بالاحترام والمودة والرحمة والحنان.. وهي نعم لا أقول قليلة بل نادرة وقلما يجود الزمان بها، لكن السؤال: إن كان هناك بشر بهذه الجودة والرحمانية، فلمَ لا يتم تكريمهم أو الإشادة بهم أحياء؟ ولماذا لم تثن على فضائل زوجها قبل الرحيل؟ فإن ذاقت الزوجة حنان الزوج وكرم أخلاقه وقد اعترفت انها تنعمت هي واولادها بحسن خلقه، فلمَ لم يشكر وهو على قيد الحياة؟
ما جدوى حياة بلا تقدير وعمل بلا إتقان وبذل بلا عرفان واختبار بلا نتيجة؟
أحسب أن الغيرة والحسد والأحقاد هي الأسباب الجوهرية في حجب الإشادة بقدرات الآخرين وعطاءاتهم سواء المادية أو المعنوية.
ويبدو أن التحسروالندم أسهل على الإنسان من الإقرار بالعرفان بالجميل لمن منح العمر هدية، فيشرع الإنسان في تناول وجبات الأكاذيب المشبعة عن نفسه اللوامة حين يلمس قلبه الجوع للتعويض عن النكران، لذا يظل الشخص الكنود يبخل بإكرام أقرب الناس إليه كونه مكلفا، فيما يتودد للغرباء كنوع من الحول العاطفي أو لكسب شبر بقلب البعيد، فيما هو واهم أنه ضامن قلب القريب. أو لتحسين صورته إزاء الغرباء.
فيهمل الإنسان أهله بل يحاول تحطيمهم بسباب وضرب وعنف، فيما يعامل الغرب بأخلاق رفيعة وبقاموس راق لكن مع أهله يهرف بكلام فاض فيما يتركهم للسكوت المليان.
تعسا للمتكبرين الذين لا يمنحون الإنسان حقه من التقدير، اللهم إلا حين يرحل برثاء رخيص حين يصبح خارج المنافسة، هنالك يسارعون لسكب آيات المحبة والود وتذرف عليه شلالات من الدمع العلني مع المجاهرة بلوم الذات للتكسب من صورة النفس اللوامة فيما يعيشون دهرا يبخلون عليه بعرفان ثمين.
copy short url   نسخ
12/06/2021
1598