+ A
A -
رشا عمران
كاتبة سورية
قبل أيام قدمت حكومة الدانمارك عبر وزير الهجرة والاندماج الدانماركي، إلى مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة ملفا يتضمن وثائق عن السوريين الذين ذهبوا إلى سوريا وعادوا عبر مطار كوبنهاجن الدولي في الفترة بين 2018 و2021 حسب السجلات الأمنية للدانمارك، وهم كالتالي: أربعة آلاف يعيشون في الدانمارك، وسبعة آلاف يعيشون في السويد، وألفان يعيشون في باقي الدول الأوروبية، من بينهم أكثر من ألف وخمسمائة طفل حسب الملف، هؤلاء ذهبوا إلى دمشق وعادوا دون أن يتعرض أي منهم إلى الأذى أو التهديد، لا من قبل النظام السوري ولا من قبل غيره، مما يعني أن سوريا أصبحت بلدا آمنا على مواطنيه، وبموجب القوانين الدولية فقد حان الوقت لعودة اللاجئين السوريين الموضوعين تحت الحماية إلى بلادهم، بعد أن نفوا هم أنفسهم، عبر سفرهم إلى سوريا الأسباب الموجبة لخوفهم وبالتالي المطالبة بالمزيد من سنوات الإقامة بذريعة الخوف من تهديد النظام، أو من الحرب التي توقفت وعاد السوريون في سوريا إلى حياتهم المعتادة.
وكانت حكومة الدانمارك قد أرسلت إشعارات إلكترونية إلى عدد كبير من السوريين الموجودين على أراضيها تنذرهم فيها بضرورة العودة الطوعية إلى سوريا، أو الترحيل إلى مخيمات للجوء في دول أفريقيا، الأمر الذي أثار ضجة كبيرة داخل الدانمارك وخارجها، لاسيما من منظمات المجتمع المدني الدانماركية.
في المنطق العام، وبعد هذا الملف، لا يمكن لوم الحكومة الدانماركية على قرارها، خصوصا مع معرفة أن الحكومة الحالية المنتمية إلى الحزب الإشتراكي الديمقراطي (وسط اليسار) قد شكلت ائتلافا ثلاثيا يضم حزب الشعب المضاد كليا للجوء مما جعل كتلة الائتلاف في البرلمان هي الأكبر، وبالتالي قراراتها سوف تكون نافذة، وظهر هذا منذ بداية استلام (ميته فريدريسكن 2019) للحكومة حيث صوت البرلمان على قرارات عدة تتعلق باللجوء، وكانت شديدة الوضوح في كون الأغلبية البرلمانية رافضة لقبول اللاجئين، وتطالب بسحب الإقامات من الذين لم يعد هناك من مبرر موجب لبقائهم في الدانمارك، وكان على السوريين الانتباه إلى سياسة الحكومة، والتصرف بما يضمن احترام وجودهم وعدم سحب الإقامات منهم، والتصرف بما يضمن احترامهم للقوانين الدانماركية، وهو للأسف ما لم يحصل.
ورغم أن ما قدمه وزير الهجرة والاندماج الدانماركي خطير ومثير للدهشة في الوقت نفسه، ويجعلنا نقول إن السوريين هؤلاء يستحقون مصيرا كهذا، فهم كاذبون في شأن طلبهم للحماية، وما أرادوه من الدانمارك أو غيرها من الدول الأوروبية هو الميزات التي يتمتع بها مواطنو تلك الدول، لا الحماية الفعلية من تهديد النظام والحرب، وإلا ما معنى ذهابهم إلى سوريا وعودتهم منها، وهم يظنون أنهم قادرون على المراوغة والكذب على الحكومات الأوروبية، إلا أن هذا القرار للاسف لم يشمل فقط من قاموا بهذا، بل شمل عينات شبه عشوائية من السوريين المهددين فعلا في حال إعادتهم إلى سوريا، ومنهم من حقق شرط الاندماج وتعلم اللغة الدانماركية (الصعبة) ودخل سوق العمل، ومنهم من يدرس في الجامعات الدانماركية، وآخرون أولادهم في المدارس الدانماركية ومتفوقون بها، آلاف الحالات لسوريين احترموا قوانين البلد المضيف وقوانين الحماية وبدؤوا فعلا الانخراط في المجتمع الدانماركي ومع ذلك هم الآن مهددون بالترحيل إلى سوريا أو إلى مخيمات لجوء جديدة بسبب سوريين آخرين، يحترفون (الفهلوة) التي تجعلهم يعتقدون أنهم قادرون على التلاعب والكذب في دول ومجتمعات تعتبر الصدق والوضوح معيارا رئيسا في العلاقات البشرية والعملية.
في الغالب أن ما حدث في الدانمارك سوف يتكرر في دول أخرى، ليس بسبب القوانين فقط، بل بسبب سلوك الكثير من السوريين الذين يعتقدون أنهم قادرون على فرض شروط حياتهم وثقافتهم على المجتمعات الجديدة التي لجؤوا إليها، إذ أن وسائل التواصل سلطت الضوء على الكثير من مشاكل الاندماج التي يعانيها سوريون اصطدموا بثقافات جديدة، لم يعرفوا بوجودها أصلا، وآخرون يمارسون التدليس والكذب على الحكومات، ويرفضون تعلم اللغة الجديدة أو الدخول في سوق العمل ويتهربون من الضرائب عبر العمل بالأسود، هذا عدا عن مخالفاتهم لقوانين كثيرة والاحتجاج عليها بذريعة التدخل في الحياة الشخصية، دون أن ننسى طبعا أن قسما لا يستهان به من السوريين المؤيدين للنظام قد استغل الفرصة وطلب اللجوء الأوروبي، واستمر في ثقافة التشبيح ضد من هجره النظام، ولم يتورع عن الاحتفال في شوارع أوروبا بعد مهازل الانتخابات السورية وتكريس الأسد حاكما أبديا على سوريا.
copy short url   نسخ
08/06/2021
1194