+ A
A -
رشا عمران
كاتبة سورية
أنا لست سوى حاملة لجواز السفر السوري، لكنني لست سورية، فأنا مثل الملايين غيري، نزع عنا (رئيس الجمهورية العربية السورية) جنسيتنا الأصلية، واتهمنا بالخيانة، وأطلق علينا لقب (ثيران) وهي شتيمة جديدة بعد أن كنا ذات يوم (جراثيم)، ونحن ايضا ثيران هائجة، نتناول من (المعالف) التي تقدم لنا كرشوة ضخمة كي نخون وطننا، نحن حسب (رئيس الجمهورية العربية السورية) الذي حول خطابه بعد نجاحه في الانتخابات المهزلة الأخيرة التي استولى فيها مجددا على سوريا لمدة سبعة أعوام أخرى، لسنا سوى (ثيران تخر أمام الدولار)، ولسنا سوى منحطين وسفلة، أما وطنيتنا «فقد أعاد من بصموا له بالدم تعريفها، كما أعادوا تعريف الخيانة»، ولم يتورع (رئيس الجمهورية العربية السورية) في خطابه عن نزع صفة (الثوار) عن الملايين الذين خرجوا ضده وشردهم في أصقاع الأرض، فالثوار هم من انتخبوه فقط، أما نحن فلسنا سوى «مرتزقة إرهابيين خائنين ومنحطين أخلاقيا وساقطين ارتضينا لأنفسنا أن نكون مطية يمتطيها الآخرون ليصلوا إلى حيثما يريدون».
صدقوا يا سادة أن الكلام السابق بكل الشتائم التي به هو كلام (رئيس الجمهورية العربية السورية)، الذي اعتاد منذ وراثته حكم سوريا عن أبيه، إتحاف المجتمع الدولي، لاسيما في اجتماعات الجامعة العربية، بمجموعة من الخطابات الغرائبية التي يحاول أن يظهر من خلالها أنه (رئيس استنثاء)، وأستاذ لمجموعة من (الجهلة) كما أسماهم ذات يوم، خطابات ارتجالية يخرج بها عن النص المكتوب له في سلوك لا يمت للدبلوماسية بصلة، ويحاول شرح المشروح أصلا، حتى باتت خطاباته مجالا للتندر حول (إفهام المفهوم) واللف والدوران لإظهار العبقرية، بيد أن خطابه المتلفز الأخير تفوق على جميع خطاباته السابقة، فهو لم يخرج عن النص المكتوب له، بل التزم به حرفيا، وفي الأغلب هو من كتبه لنفسه وليس أحد مستشاريه، إلا إذا كان قد استعان بأحد (كعلي الديك) المطرب السور ي الشعبي (الشبيح) ليكتبه له، فهذا النوع من الكلام السوقي المكتوب على طريقة (السجع)، لا يمكن أن يصدر عن أحد يمتلك ذرة من الدبلوماسية السياسية، ولا حتى عن كاتب مبتدئ، هذا كلام يكتبه الشبيحة الصغار على صفحاتهم على الفيسبوك، لا يمكن أن يليق بشبيح متمرس في الكتابة، أو مثقف موال ومؤيد بالكامل لكل ما يفعله (رئيس الجمهورية العربية السورية).
لكن بعيدا عن شتائم السيد الرئيس، فإن ثمة دلالات كبيرة في كلامه تنبئ عن الكارثة المتمكنة من سورية والتي لا يبدو أن ثمة حلا قريبا لها، فالسيد الرئيس يحتاج إلى العملة الصعبة التي يدخل إليه منها الكثير عبر منح جوازات السفر لمدة عامين لمن اسماهم (ثيران) وهم كل الذين لم ينتخبوه في خارج سوريا وبعض من في داخلها، هذا الاحتياج هو فقط من يمنعه من سحب الجنسية من ملايين السوريين، وهو أمر وارد الحدوث بالمناسبة، ويطالب به منذ زمن الكثير من شبيحة النظام الذين لا يرون في الوطن سوى شخص السيد الرئيس، وهو ما أكده بنفسه في خطابه الأخير، فالوطنيون بالنسبة له هم من انتخبوه فقط ومن أقاموا الاحتفالات بفوزه، لا وجود للوطن خارج شخصه، وهو ما حدث فعلا خلال السنوات العشر السابقة، إذ دمر السيد الرئيس بنيان (الوطن) التحتي والاجتماعي، دمر المعنى الأساسي لفكرة الوطن، حين فتك بكل من اعترض على وجوده، ليس بالقتل فقط بل بتدمير بيته أو قريته أو بلدته أو مدينته، وبتشريد محيطه وتهجيره ونفيه، أما مؤيدوه، فهو بات يعرفهم جيدا، كلما أمعن في إذلالهم كلما أوغلوا في تأييده وبصموا له بالدم، في تأكيد مدهش على حقيقة متلازمة استوكهولم.
أما الحديث عن حلول سياسية وخطط يضعها المجتمع الدولي حول التشاركية السياسية والمفاوضات الدستورية وغيرها، فيبدو أنها ليست في وارد السيد الرئيس ومواليه، إذ ما يتضح من المهزلة الحاصلة أن سوريا قد تم منحها كهبة دولية لآل الأسد، وأن العقود القادمة سوف تشهد حافظ بشار الأسد وبشار حافظ بشار حافظ الأسد.. وهكذا، إذ حتى المجتمع الدولي (بعضهم يحاول تبييض صفحة النظام السوري)، لا يبدو أنه معني بما يحدث في هذا البلد البائس.
copy short url   نسخ
01/06/2021
2021