+ A
A -
رشا عمران
كاتبة سورية
لم يسبق في تاريخ القضية الفلسطينية أن شهدت هذا التعاطف العالمي، ومن شخصيات مشهورة وعامة، كما حصل في الأسابيع الماضية، وخاصة من مشاهير هوليوود، الذين تجند قسم منهم لفضح ممارسات العدو الصهيوني عبر وسائل التواصل، متخلين عن الخوف والخرس الذي كانت هوليوود تصاب به أمام القضايا العربية ولا سيما قضية فلسطين، كي لا توجه لأحدهم تهمة (العداء للسامية)، التي تحمله الكثير من العواقب، أولها محاربة شركات الإنتاج له، وإقصاؤه عن أدوار مهمة، ومنعه من الترشح لجوائز الأوسكار وغير ذلك من الاتهامات (المكارثية) التي عرفت بها مدينة السينما الأولى في العالم، والتي يصدف أن الحركة اليهودية هي المسيطرة (ماليا) عليها، ومن يملك المال يملك السلطة، كان هذا دائما هو السائد في التاريخ البشري، وبنفس الوقت لم يسبق في تاريخ القضية الفلسطينية أن تعاملت أنظمة العالم بهذه (الوقاحة) السياسية ضد الفلسطينيين وتأييد الصهاينة، فمن منع المظاهرات المناهضة للكيان الإسرائيلي، واستخدام الغاز في تفريق المتظاهرين، ورفع العلم الإسرائيلي بشكل رسمي في بعض الدول إلى جانب علم الدولة نفسها، أو استبدال علم الاتحاد الأوروبي بالعلم الإسرائيلي، كلها مواقف جديدة على مسار القضية الفلسطينية، وتضعها في مفترق طريق جديد، بما سيترك أثره على الزمن الفلسطيني القادم.
ثمة ما تغير إذن، وينبغي استغلال هذا التغيير لصالح القضية الفلسطينية، ينبغي أولا نبذ الخلافات الفلسطينية الفلسطينية، ووضع استراتيجيات جديدة للمقاومة، رغم صعوبة ذلك، خصوصا بين حماس والسلطة، إذ أن جزءا كبيرا مما ابتليت به القضية الفلسطينية و(السورية لاحقا)، هو الأيديولوجية والانتماءات العابرة للهوية الوطنية، وهو ما يجعل من وضع استراتيجية موحدة، وبناء خطاب وطني مشترك أمرا بالغ الصعوبة، اشتغل الكيان الإسرائيلي عليه، بمساعدة المجتمع الدولي عقودا طويلة من الزمن، إذ لا شيء يمكن أن يميع القضايا الكبيرة، ويشتت أهدافها، أكثر من تبني أبنائها أيديولوجيات متناحرة ومتناقضة، وهو أيضا ما تم تطبيقه لاحقا على (الثورة السورية)، وهو ما ظهر، بكل حال، خلال الأيام الماضية بعد اتفاق وقف إطلاق النار بين حماس والاحتلال، وانتهاء الحرب على غزة مخلفة مئات الضحايا، وآلاف المهجرين، وعشرات الأبنية المدمرة بالكامل. واحتفال حماس بما أسمته (النصر الإلهي)، واعتراض الكثير من الفلسطينيين على هذه التسمية، فما حدث برأيهم لا يمكن أن يكون نصرا مع هذا العدد من الضحايا، بينما خسائر الكيان الإسرائيلي طفيفة، وتم وقف إطلاق النار بدون شروط.
وظلت قضية الشيخ جراح (أصل الانتفاضة الحالية) على ما هي عليه، مازال المستوطنون يحاصرونها، وما زالت قوات الاحتلال تحاصر المسجد الأقصى، ولم يتم أي اتفاق بشأن القدس، وهي وجهة نظر محقة بشكل من الأشكال، إذا انتهت القصة على ما انتهت إليه دون تطورات في المسائل العالقة.
لكن، كي لا نقوم بجلد أنفسنا، نحن الذين نعتبر قضية فلسطين هي أم القضايا، ولا حل لأي معضلة عربية عالقة ما دام العدو الإسرائيلي ممعنا في إجرامه وتعنته، ومنها القضية السورية، إذ بات الجميع مدركا أن بقاء بشار الأسد في مكانه حتى اللحظة هو بمباركة دولية، إسرائيلية على وجه الخصوص، إذ لم يستفد أحد مما حصل أكثر من استفادة الكيان الإسرائيلي، خسرت سوريا والثورة السورية والسوريون جميعا وانتصر الاحتلال بفضل النظام ومؤسساته العسكرية والأمنية، حتى باتت المقارنة بين إجرامه وإجرام العدو الصهيوني لصالح العدو، وهو أيضا ما جعل الكيان الإسرائيلي يزداد وحشية وعنجهية في رد أفعاله تجاه الفلسطينيين؛ لكن كي لا نجلد أنفسنا فإن ما حدث في فلسطين خلال الأسابيع الماضية هو استثناء في تاريخ القضية الفلسطينية لم يحدث منذ زمن طويل، فتلازم المقاومة الشعبية مع المقاومة المسلحة يبدو هو الحالة الأكثر فاعلية في مقاومة عدو كالعدو الإسرائيلي، (طبعا لو كنا في زمن عربي آخر لاستطاع جيش واحد فقط من الجيوش العربية لجم عنجهية الاحتلال وغيه، بكل حال يجب التعامل مع الواقع الحالي للظرف العربي عموما والظرف الفلسطيني على وجه الخصوص، هذا التلازم، إن كان طرفا المعادلة السياسية في فلسطين، السلطة وحماس، لديهما هدف التحرير فعلا، فهذا التلازم يتطلب بعض التنازلات من قبل الطرفين، ويتطلب، في غزة على وجه الخصوص، فتح الباب للحريات الشخصية وإعطاء دور فاعل للمرأة الفلسطينية والاهتمام بالتعليم والصحة والتنمية، وهو ما يجب أن يكون في بال حماس التي تطالب العرب بإعادة إعمار غزة، إعمار سرعان ما قد تهدمه طائرات وصواريخ العدو الإسرائيلي، بينما الإعمار المتين، هو في البنية المجتمعية المتكاملة القادرة على الصمود والمقاومة، لدى كل فلسطينيي الداخل، من الضفة إلى عرب 48، فما حصل خلال الأسابيع الماضية يجب التأسيس عليه، ويجب حاليا إعادة الاعتبار للمقاومة الشعبية، لدعم قضية الشيخ جراح بدلا من الاستعراضات العسكرية والاحتفالات بنصر لم يتحقق حتى الآن.
copy short url   نسخ
25/05/2021
1142