+ A
A -
عبد الله رضوان
«على مدى تاريخنا لم نترك فلسطين وحدها ولم نترك القدس» كلمات أسمى من النجم وأبهى من سنا الشمس كيف لا؟ وهي تلخص قصة الوفاء بين قبة الصخرة ومآذن إسطنبول، وليت شعري من القائل ؟ إنه رأس الهرم السياسي في تركيا السيد رجب طيب أردوغان، ويقينا إن تلك الجملة اختصرت ووصفت حالة وموقف المشهد السياسي التركي تجاه تلك البقعة المباركة، فالقدس التي تئن تحت وطأة الاحتلال الإسرائيلي استباحها الصهاينة فعاثوا فيها فسادا فانتهكوا المقدسات وسفكوا الدماء وأين ؟ في مدينة الأنبياء والسلام, ولم يكتفوا بذلك بل جمعوا كيدهم واستصرخوا كل ذئاب وضباع العالم ليشهدوا زورا وبهتانا أن القدس عاصمة أبدية لدولتهم المزعومة، حالة لم يسبق لها مثيل في تاريخ الأمم، أن تزوّر التاريخ وتسطو على مقدسات الآخرين بقوة جنازير الدبابة، وكأن سيناريو الحروب الصليبية يعاد بكل تفاصيله حيث المنطقة تموج في ضعفها.
ولم يكن الشارع التركي منفصلا عن هذا الحدث الجلل حيث شاركت قباب اسطنبول زيتون فلسطين المصاب وذلك عندما خرجت الجموع الغفيرة في مظاهرات عارمة منددة بالغطرسة الاسرائيلية ومن الجدير بالذكر أن جميع الأحزاب التركية بلا استثناء أدانت ما يقوم به الاحتلال من تدنيس للحرم القدسي، ومصادرة للأملاك وقصف وحشي للأبرياء.
ولكن ما الذي قصده السيد رجب طيب أردوغان بقوله (تاريخنا)؟ وحقيقة لن نفهم هذه الكلمة مالم نرجع إلى تاريخ القدس في الذاكرة العثمانية, كيف لا؟ وقد حكمها العثمانيون أكثر من (400) سنة، وقد ثبت أن سبعين 70 بالمائة من الآثار الموجودة في القدس هي آثار عثمانية، والحقيقة أن حكاية الحب العثماني المقدسي تطول ولكن دعونا نحط رحالنا عند خليفتين من خلفاء آل عثمان لنعرف ماذا قدموا لمدينة الأنبياء القدس؟
في البداية يطالعنا وجه ذلك الخليفة الفذ الذي جعل أوروبا ترتعد فرائصها منه بعدما استولى على بلغاريا وبودابست ومع انشغاله في الجهاد وحكمه، الذي امتد لأكثر من خمسة وأربعين عاما إلا أنه كان يحمل القدس في قلبه لذلك سعى إلى حمايتها فقام ببناء سورها الذي بقي متهدما لأكثر من ثلاثمئة سنة من بعد الحرب الصليبية, ولأنه كان يرى أن هذه المدينة وجدت للعبادة فقد كان حريصا على المحافظة على طقوسها الروحانية فقد منع كل المظاهر العسكرية فيها، وأسند أمر أمنها إلى المفتي الذي وكل إليه اختيار الحراس من ذوي الشجاعة والتقوى، نعم هكذا كانت القدس في عيون السلطان سليمان. وأما الخليفة الثاني فهو ذلك المترع سموا وخلقا، ذلك المحب لمسرى نبينا،إنه السلطان عبد الحميد الذي ضرب أروع الأمثلة في حبه للقدس وتمسكه بها يوم جاء ذلك الصهيوني هرتزل إلى صديقه (نيولنسكي) رئيس تحرير«بريد الشرق» ليكلم السلطان عبدالحميد بأمر القدس ذلك أن اليهود أخذوا يمنون أنفسهم بالاستيلاء عليها واتخاذها وطنا، يتقدم (نيولنسكي) إلى السلطان عبد الحميد طالبا القدس وطنا لليهود متعهدا له بتسديد ديون الخلافة ومساندته في علاقاته الخارجية, ولكن الرد السلطاني جاء صاعقا كاللهب, يقول سلطان الوفاء عبد الحميد: «لا أستطيع أن أتنازل عن شبر واحد من الأراضي المقدسة لأنها ليست ملكي بل هي ملك شعبي وقد قاتل أسلافي من أجل هذه الأرض ورووها بدمائهم».
يصدم هرتزل من موقف السلطان عبدالحميد, ولكنه كان مصرا على أن يمضي في مشروعه،أربع محاولات تبوء بالفشل في مقابلة السلطان عبدالحميد إلى أن اهتدى إلى أحد سفراء أوروبا الذي ساعده في مقابلة السلطان وهنا وقعت كلمات السلطان عبد الحميد عليه كالصاعقة حين قال له: «لماذا نترك القدس لكم إنها أرضنا في كل وقت وفي كل زمان وستبقى كذلك فهي من مدننا المقدسة وتقع على أرض إسلامية، لا بد أن تظل القدس لنا». وهنا أيقن الصهيوني هرتزل أن مشروعه لن يتحقق طالما أن السلطان عبد الحميد في سدة الحكم فكتب لأتباعه قائلا: «إنني أفقد الأمل في تحقيق أماني اليهود في فلسطين، وإن اليهود لن يستطيعوا دخول الأراضي الموعودة مادام السلطان عبدالحميد قائما في الحكم مستمرا فيه».
نعم هذا هو السلطان عبد الحميد الذي كتب حكاية حبه للقدس على جدار الزمن بمداد من إيمانه بربه وأمته الإسلامية، وليحفظ التاريخ بأن الأتراك ما فرطوا ولن يفرطوا في تلك الأمانة وما السيد أردوغان إلا حفيد العملاق عبد الحميد وصدى نبض الشارع التركي الذي اهتزت الأرض تحته في مظاهرات عارمة جابت أنحاء المدن التركية معلنة أن القدس ستبقى أيقونة إسلامية، وأما الصهاينة الذين ظلموا فسيعلمون أي منقلب ينقلبون.
بقلم : عبد الله رضوان
كاتب تركي[email protected]
copy short url   نسخ
19/05/2021
2571