+ A
A -
عادة ما يكون للمطلعين على التاريخ نظرة أكثر عمقاً، وأشد دقة للأحداث الحالية، ويمتلكون نظرة استشرافية لمجرى الأحداث في المستقبل، فكلما تصفحنا أحداث التاريخ عبر الأزمنة المختلفة، وجدنا نفس النتيجة الحتمية، وهي أن كل القوى العظمى والحضارات القوية مهما بلغت من سيطرة وتطور وحضارة وامتداد، إلا أن النهايات كانت واحدة وهي النشاف والموت؛ فهي تصل إلى أوج قوتها ومبلغ طغيانها ثم تعود بقوة الله صفرا كما بدأت أو لربما تختفي تماما.
فكم من قوة عظمى ظنت أنها لن تهدم ولن تهزم، فطغت في الأرض وتجبرت، نشرت الرعب في القلوب وأسكنت الألم في الأرواح، فحل عليهم غضب الله فهووا، ولنا في آيات القرآن الكريم العديد من الصور والعبر، أيها العربي الذي تئن روحه لحال إخوتنا في فلسطين الأبية، ويا أصحاب القضية الأزلية لا تخيفنكم الجيوش الإسرائيلية الغفيرة ولا الآليات المجنزرة والتحالفات العالمية، طالما أنكَ على يقين بأنّ لا قوة تقوى على الله وهو القويّ المتين، ولا تنجروا وراء التحليلات السياسية العقيمة، ولا تغضبوا بسبب المحاولات الفردية المعزولة لتشويه التاريخ وتحريف الحقائق، فالحق سيعود لأصحابه لا محالة وقريباً -بإذن الله- وإننا لمنتصرون، فالصاروخ قد يهدم بيتا أو شارعا، ولكنه عاجز عن تحطيم الإيمان العميق بالحق، وعن كسر الروح المعنوية العالية والإرادة القوية لأصحاب الأرض، فوابل الحجارة التي ترميها سواعد الرجال وأيادي الأطفال ترعب العدو وجيوشه المدرعة المجهز بأقوى العتاد، وأحدث التقنيات لأنها في الواقع زجاج ينكسر، حتى بأصغر حبات الحصى مع هبوب أول عاصفة، فـثقتك بنفسك تهز خصمك وترعبه.
قد يبدو لنا الآن من الوهلة الأولى مع متابعة الأحداث أن إسرائيل قوية بما يكفي، لكن الواقع أنها هشة وضعيفة، خائفة من حلول العاصفة، وكل تصريحاتها المتناقضة وتصرفاتها المتخبطة، وكل أشكال العنف الذي تمارسه ما هو إلا رقصة الديك المذبوح الذي يعرف أنه على شفير الموت وعلى حافة الانهيار، لا سيما مع تزايد الوعي العالمي بالقضية الفلسطينية والدعم الذي تتلقاه من المؤثرين حول العالم، فعيون العالم اليوم تحاصرها، فقد فقدت الحصانة التي كانت تتمتع بها مع الضغط المتزايد من المنظمات الحقوقية العالمية، ومع حملات التوعية، وأكبر دليل على ذلك التغريدات التي نراها بشكل يومي منذ بداية الأحداث الأخيرة على صفحات أهم المشاهير والمؤثرين والسياسيين حول العالم، فقد تم أخيرا كسر حاجز الصمت.
فكل ما يقوي الصهاينة ويدعم طغيانهم هو قناعاتهم الدينية بأحقيتهم بهذه الأرض، ونفس هذه القناعات اليوم تنبؤهم بنهايتهم، حيث تقول الدراسات المعتمدة على نبوءة إسرائيل إن زوالهم سيكون بعد 76 عامًا من بناء دولتهم أي سنة 2022، وهو نفس المستقبل الذي تنبأ به القرآن الكريم لبني إسرائيل وجميع الطغاة اعتمادًا على الآيات البينات في سورة الإسراء فقال تعالى: (وَقَضَيْنَا إِلَىَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنّ فِي الأرْضِ مَرّتَيْنِ وَلَتَعْلُنّ عُلُوّاً كَبِيراً * فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مّفْعُولاً). ورغم اختلاف التفسيرات والتأويلات للنصوص الدينية بين المفسرين القدامى والمعاصرين، إلا أننا على ثقة تامة من وعد الله بنصرة الضعيف وإرجاع الحق لأصحابه عاجلا غير آجل، وإن لم يكن في سنة 2022 تحديدا، فيومنا المنشود قريب وما ضاع حق وراءه مطالب، فطالما أصحاب الأرض مرابطون وعازمون يحملون أكفانهم بين أيديهم ويغذون إرادتهم بالأيمان وبقضيتهم فنصر الله قريب، وكل ما علينا اليوم أن لا نستسلم وأن نستخدم كافة وسائل الضغط المتاحة وأن نطبق أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: «من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان»، رواه مسلم، فاليوم وفي وسط ما نمر به أصبح من الأسهل دعم «أم القضايا» بعدة وسائل بالمال أو اللسان أو كمثقفين بتجنيد أقلامنا في خدمة القضية، فتزايد الوعي الثقافي والعام لدى العرب حصر إسرائيل في عنق الزجاجة وجعلها متخبطة وكلما فقدت السيطرة أكثر وكلما زاد العنف اقتربت النهاية «اشتدي أزمة تنفرجي».
لا تبخلوا على الأقصى فهو أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين الشريفين، وهو مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم للسموات العُلى، فلتبق فلسطين حرة عربية إسلامية، وعاصمتها القدس الأبية، ستحرر القدس عاجلاً أم آجلاً لا محالة، ذلك وعد الله الذي سَطرّه في كتابه الكريم.

بقلم :حمد حسن التميمي
copy short url   نسخ
19/05/2021
907