+ A
A -
عبد الله رضوان
عبد الله رضوان
كاتب تركي
«في هذا المكان سأبني مسجدا»
كانت هذه كلمات السيد رجب طيب أردوغان وهو يشير بيده نحو مكان ملاصق لميدان تقسيم أحد أهم المعالم السياحية في إسطنبول، نعم لقد كانت هذه الجملة على رأس برنامجه الانتخابي وهو يستعد لخوض غمار معركته الانتخابية للفوز برئاسة بلدية إسطنبول عام 1994 مرشحا عن حزب الرفاه الذي كان يقوده نجم الدين أربكان.
واليوم وبعد سبعة وعشرين عاما يتحقق الحلم ويبنى المسجد، نعم لقد بُني المسجد الذي يوازي برمزيته مسجد آيه صوفيا.
فما قصة ذلك المسجد الذي خاض السيد أردوغان نضالا طويلا أشبه ما يكون بنضاله من أجل عودة الحجاب إلى الشارع والمؤسسات الحكومية والجامعات التركية، تعالوا لنبدأ الحكاية:
الزمان ستينيات القرن الماضي، أما المكان فهو حي تقسيم أحد أهم أحياء إسطنبول والذي سمي بتقسيم لأن الماء كان يقسم على أحياء اسطنبول من خلاله وهو يضم بين جوانحه أحد أهم المعالم السياحية ألا وهو ميدان تقسيم، وللذين لا يعرفون تقسيم فإن هذا الحي الذي عرف بطابعه العلماني ولا أبالغ إذا ما قلت إنه قلعة العلمانية قد كان حيا للسفارات الأوروبية، وما زال بعضها موجودا إلى الآن مثل السفارتين الفرنسية والروسية نعم ففي الماضي، وفي آخر عهد الدولة العثمانية كان هذا الحي غير مأهولا لذا فضلت الحكومات الغربية أن تبني سفاراتها على أرضه، وذلك لعدم وجود مسجد فيه، وما لبث الأوروبيون أن بنوا كنيسة وأصبح هذا الحي ذا طابع أوروبي بكل ما فيه، ولأن أكثر أراضي تقسيم هي وقف فقد قام بعض الأتراك منذ ستين سنة بإنشاء وقف (جمعية) بهدف بناء مسجد في تقسيم، حيث إن أرض المسجد موجودة، والحي يفتقر إلى مسجد يستوعب المصلين من الأتراك والسياح الذين أخذوا يتوافدون إلى تقسيم لرؤية الميدان والسير في شارع الاستقلال.
رجع أصحاب الوقف إلى الأرشيف والوثائق التاريخية واستطاعوا إثبات ملكية أرض المسجد للوقف وقد أقرت المحكمة بذلك، إلا أن حماة العلمانية وسدنتها في الحكومة التركية في ذاك الوقت وقفوا ضد هذا القرار، بحجة الحفاظ على هوية ومعالم ميدان تقسيم وما حوله، ولكي يجهضوا هذا الأمر خصصوا أرض المسجد كي تكون كراجا للسيارات.
وتأتي انتخابات عام 1994 لرئاسة بلدية إسطنبول لتكون بداية نهاية المشروع العلماني الذي وقف حجر عثرة في وجه طريق بناء المسجد... حيث بزغ نجم رجب طيب أردوغان، ومن على مكان مرتفع ظهر أردوغان في مقطع مصور وهو يشير بيده إلى جانب ساحة تقسيم قائلا جملته «في هذا المكان سأبني مسجدا»، ويشاء الله أن يفوز أردوغان برئاسة بلدية إسطنبول، يقوم بتخصص قطعة الأرض ويقدم كل التسهيلات لبناء المسجد.
لكن العلمانية المتطرفة تمنع هذا المشروع حيث قام والي إسطنبول في ذلك الوقت بمعارضة المشروع بشدة وفيما بعد تم سوق أردوغان إلى السجن، وقد يظن البعض أن أردوغان سجن بسبب قصيدته الإسلامية الشهيرة التي ألقاها على الجمهورفقط، وتناسوا أن إصرار أردوغان رئيس بلدية اسطنبول على بناء هذا المسجد كان المحفز الأكبر لإصدار قرار سجنه من قبل القوى العلمانية التي كانت متغولة في ذلك الوقت.
ولأن الله غالب على أمره فقد كان لفشل انقلاب 15 من يوليو عام 1916 الأثر العظيم في إتمام بناء هذا المسجد، ذلك أن أذرع أخطبوط الدولة العميقة والمتطرفين العلمانيين قد تم بترها، وفي 17 فبراير عام 1917 تم وضع حجر أساس مسجد تقسيم ولتنطلق أعمال البناء.
واليوم يكتمل بناء هذا المسجد الذي كان مقررا افتتاحه من قبل رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان في آخر جمعة من رمضان، ولكن إفرازات وباء الكورونا منع ذلك بسبب الحظر الذي تعيشه إسطنبول....
بقي أن أشير أن هذا المسجد هو تحفة عمرانية وصرح حضاري وسيكون إضافة حقيقية لجماليات حي تقسيم، حيث يتسع إلى 2250 شخصا هذا إضافة لكونه يضم قاعة للمؤتمرات ومكتبة وقد نسجت له سجادة خاصة.
نعم لقد بني مسجد إسطنبول ورأى النور ولكن بعد صراع ومخاض مع القوى العلمانية وقريبا سنشهد احتفالية فتحه، وأما أنتم يا كتاب التاريخ فسجلوا عندكم: لقد كان أردوغان فارس حكاية مسجد تقسيم.
copy short url   نسخ
12/05/2021
862