+ A
A -
محمد هنيد
أستاذ مشارك بجامعة السوربون
حفلت وسائل التواصل الاجتماعي منذ أيام قليلة بالمبادرة القطرية التي وُسمت بحملة الغارمين والتي تمثلت في تسديد ديون المواطنين العاجزين عن السداد. تقدمت المشروعَ جمعياتٌ خيرية ثم خُتمت الحملة بمبادرة صاحب السمو أمير البلاد المفدى الذي تقدّم بمبلغ كبير من المال للمشاركة في هذا المدّ التضامني والمجهود الوطني.
الخبر لم يكن قابلا للتصديق في البداية وهي بادرة لم نسمع بها في دولة أخرى من قبلُ ؟ لقد جرت العادة في الدول العربية وحتى في الدول الغربية على أن تقوم الدولة بالترفيع في الضرائب والجبايات والرسوم خلال الأزمات من أجل ضخها في خزينتها. بل إنّ الدول تعمدُ حتى في غير أزمنة الأزمات إلى استنزاف المواطنين بكل الطرق بما فيها الدعوة الصريحة إلى التبرّع ولو بدينار واحد.
الأهمّ في هذه المبادرة لا يتعلّق بقوّة الجمعيات الخيرية في قطر وكذا في دول خليجية أخرى كالكويت مثلا ولا يتعلق الاستثناء القطري بالثروة لأنّ عددا كبيرا من الدول العربية يفوق ثروة قطر.. الأمر في نظرنا يتعلّق أساسا بالرؤية السياسية وبالمقاربة الاجتماعية لصاحب القرار.
ليس المجال هنا لتعداد النجاحات التي حققتها دولة قطر على مستوى البنية التحتية والعمران والتعليم والصحة والخدمات في ظرف قياسي. فلو قورنت قطر ببقية الدول الغنية فإن الفرق كبير جدا بين ما أنجزته الدوحة وما أنجزه الآخرون. لكنّ الفارق الأساسي إنما يكمن في التصوّر الريادي للدولة من جهة وقوفها إلى جانب تطلعات الشعوب وسعيها إلى الاستثمار في الإنسان وجعل الثروة في متناول أصحابها من جهة ثانية.
لن نأتيَ بجديد إذا قُلنا إنّ كل المضايقات والحملات التي تعرضت لها الدوحة إنما مصدرها هذا الخيار الإنساني الذي اختارته الدولة وجهةً لها في الداخل والخارج. فرغم كل المساعدات والهبات التي قدمتها إلى مختلف الدول العربية والإسلامية فإن حملات التشويه والتزييف لا تكاد تتوقف. هذا العدوان كان أمرا متوقعا في محيط عربي موبوء بالمنابر الإعلامية الفاسدة وبالقوى الظاهرة والخفية التي تعمل على وأد كل تجربة ريادية قادرة على تحقيق قطيعة مع الممارسات الاستبدادية.
نجحت قطر نجاحا في التحرر من السطو على قرارها السيادي وخياراتها الداخلية والخارجية وهو الأمر الذي جعل منها نموذجا نوعيا في الخليج وفي كامل المنطقة رغم كل التحديات.
copy short url   نسخ
06/05/2021
1335