+ A
A -
في السكتة القلبية، التي تشارفُ الموت، تجربةٌ مثيرة، خبرها ناجون: هنالك يلمع ضوءٌ ليس من أضواء هذه الدنيا الباهتة.. ضوء يكشفُ عن «مشاهدات» في العالم الآخر.
هذا الحديثُ ليس من (عندياتي) وليس من عند من نجوا من سكتة قلبية شبه مُميتة، ممن أعرفهم، وإنّما من دراسة لعلماء أميركان، في جامعة ميتشجان، كانت معنيّة بدراسة حالة المُخ، قبل الموت مباشرة، بسكتة قلبيّة!
ناجون- بحسب الدراسة- قالوا كما لو أنهم كانوا في نفق مُظلم، لم يلبثوا فيه إلاّ وتخطّفهم ضوءٌ غريبٌ في نهايته.. ضوءٌ أتاح لهم رؤية أمواتهم.. ورؤية ملائكة!
- ذلك إذن، هو بعضٌ من الكشف العظيم. قلتُ ذلك لنفسي، والقشعريرةُ تتملّكني كلي، وأنا كُلي أيمانٌ، يزداد!
العلماءُ، فسّروا مايحدث، بأنّ المُخ- قبل التوقّف نهائيّا– تحدثُ فيه قفزةٌ هائلة، في نشاطه، ولمزيد من التأكد هرعوا بفئران إلى المُختبر.. أوقفوا قلوبها، وكانت النتيجة ذاتها: فورةٌ مذهلة، لمدة قصيرة، في نشاط أمخاخها!
يا.. يا للفئران المسكينة..
بل يا.. يا لمسكنتنا نحنُ.
لولا هذه الفئرانُ، التي نُشرّحها تشريحا، لنتعرّف على وظائف أعضائنا.. بل على كلّ الأسرار، التي نحملها نحنُ في أجسادنا، ما كنا إطلاقا قد تعرّفنا على أنفسنا، إلاّ قليلا!
بالطبع، لم أرد أن أقول، إننا كالحمير، تلك التي تُعاني من الظمأ، والماءُ فوق ظهورها محمولُ!
ما أردتُ أن أقوله، إنّ الفئران تستحق منا مصيرا، غير ذلك الذي تتلقّاه، من المبيدات التي تُسمّمها، وتسمّم حياتنا، في الوقت ذاته!
المخُ نعمة.. وهو لا يزال سرا، من الأسرار العظيمة.. وهو العقل، والعقل مصطلح معني بوظائف الإدراك جميعا: التفكير والذاكرة، والحديث.. بل هو معنيٌ حتى بالعاطفة.. لكن هذا الذي هو معنى بالإدراك، لا يزال بعيدا عن إدراكنا نحنُ، حين يعمل، ووقت أن (يتلحس)!
هذه الحقيقة، انتبه إليها قبل فترة الرئيس الأميركي باراك أوباما، فأسرع يأمر العلماء بدخول المُختبرات، لبناء خريطة (ذهنية) للمُخ، مستلهمين جهودهم الجبّارة، في بناء خريطة الحمض النووي، والتي تعرف بخريطة الجينوم البشري.
دعوة أوباما إلى استكشاف المُخ، تمثلُ عودة مجيدة إلى عهود الفلاسفة الميامين، الكبار، من أمثال أرسطو وأفلاطون، وغيرهما من فلاسفة الحضارة الإغريقية، الذين لحست الصلعةُ رؤوسهم، وهم يحاولون- ما استطاعوا- أن يكتشفوا سر هذا (الكائن) الذي هو في مكان ما من الدماغ، ويشتغل بكل تلكم الهمّة، التي لا تدانيها همة.
دعوة أوباما، إلى استكشاف المُخ، أهم من اسكتشاف الفضاء، ومن حرب النجوم، ذلك لأنها دعوة تستقيم- في يقيني- بضرورة معرفة النفس أولا، وما فيها من أسرار عظيمة.. ومن عرف نفسه، عرف ربه، كما يقول العارفون!
العقلُ في المُختبر.. تلك بشارة، والفئرانُ تخطّفها ضوءٌ غريب، في نهاية النفق، لكنها لا تستطيع أن تقول شيئا..
وهذا الضوءُ، سيتخطّف كلا منّا، في تمام اللحظة، التي تبلغُ فيها أرواحنا الحلقوم.

بقلم : هاشم كرار
copy short url   نسخ
10/07/2016
1343