+ A
A -
حمد حسن التميمي
لا داعي لتقليد أي شخص آخر، فأمامنا في هذه الحياة نماذج لنسخ شبه متطابقة من البشر الذين يقلدون بعضهم البعض، فهل تريد أن تكون نسخة طبق الأصل عن صديقك أو زميلك في العمل؟!
الحقيقة أننا جميعاً مختلفون، ولا توجد مصادفة محضة، فكل شيء في الكون موجود لسبب معين، فليس من الصدفة عدم امتلاكك لبعض المواهب التي ترغب في امتلاكها، إذا لم يكن لديك صوت عذب، فمعنى ذلك أنه ليس من المفترض أن تغني، بل أن تفعل شيئاً آخر في حياتك تبعاً للمواهب والقدرات التي تملكها، وبالتالي فعليك التخلي عن الرغبة في الغناء لشخص آخر مؤهل بشكل طبيعي للقيام بذلك، وإذا لم تكن تحوز مواهب تمثيلية، فلا يجب أن تُقحم نفسك في مجال التمثيل وتكون دخيلاً عليه، وهلمّ جرّاً.
لقد جئنا إلى هذا الوجود مختلفين عن بعضنا البعض حتى نؤدي أدواراً متباينة، ولو كانت جميع الشخصيات في المسرحية متشابهة، فلن يكون من الممتع مشاهدتها، هناك حقيقة أخرى وهي أن كل شخص لديه مواهب فريدة خاصة به، ولا ترتبط تلك المواهب فقط بالقدرة على التمثيل أو الغناء أو الرسم أو الكتابة، إذ يمكن ببساطة أن تكون موهبتك الخاصة هي شغفك بالطبيعة وحبك لرعاية المحتاجين، أو رغبتك في أن تكون معلماً روحيّاً، أو أستاذاً جيداً، أو قارئاً نهماً يحب العمل في مكتبة ليساعد أي شخص يبحث عن كتاب بما لديه من معلومات غزيرة.
يمكن أن تكون قدرتك على الحب والعطاء والسلام الروحي الذي وصلت إليه، وسرعتك في استيعاب لغات جديدة بسهولة، أو امتلاك حس الدعابة والقدرة على إضحاك الآخرين، أو غير ذلك الكثير، من ضمن المواهب التي تملكها.
أعطت الطبيعة لكل فرد فينا هوية متفرّدة، لذا فعندما نحاول تقليد شخص آخر، فإننا نعارض الطبيعة ونواميس الكون، الطبيعة لا تنسخ أبداً، فكل كائن حي على وجه هذه البسيطة فريد من نوعه، لكل شخص فينا شخصية وصفات مميزة، لكننا بدلاً من احتواء هذه الاستثنائية نحاول اتباع شخص آخر وتقليده، فنقتل ذواتنا الأصلية، ونفقد هويتنا.
لا شك أنه ليس من السهولة بمكان أن نفهم ماهيّتنا، حيث علينا أن نخوض الكثير من التجارب ونتحمل العديد من الصعوبات لندرك من نحن، وذلك ما تفعله فئة قليلة من الناس فقط، ويمكن بالنظر إلى حياة شخص آخر، أن نفهم حياتنا وذواتنا بشكل أفضل أحياناً، لكن مع إدراك أن كل شخص فريد في هذا العالم، فليس من المنطقي أن نقارن أنفسنا باستمرار مع الآخرين، ونحاول محاكاتهم بشكل متواصل.
كيف نتوقف عن تقليد الآخرين؟
عندما نختار تقليد شخص آخر عوضاً عن أن نكون ما نحن عليه، فإننا نتجاهل دون وعي أثمن ما فينا من كنوز داخلية، فحين تحاول أن تكون شخصاً آخر، فأنت تتجاهل القدرات الكامنة في داخلك، إن الشخص الذي تحاول محاكاته ليس أفضل منك بشيء، بل هو مختلف بكل بساطة، ولا عيب فيك ولا فيه.
صحيح أنه باستطاعتك تقليد من تشاء، لأن القرار قرارك في النهاية، لكن في وقت ما، ستدرك أنك مخطئ وأن عليك البدء في تحديد هويتك الحقيقية، كل شخص لديه تجربة مختلفة عن غيره، لذا فتقليد الآخرين أمر غير مُجْدٍ؛ لأنك لن تستطيع مهما فعلت من أن تتّبعهم وتحاكي كل شيء يقومون به ويفكرون فيه.
لا يمكنك أبداً أن تكون شخصاً آخر 100 % مهما بذلت من جهد، يمكنك أن تكون نسخة مشوّهة عن أحدهم، نسخة منقوصة هزيلة رثّة، لأنك خُلقت لتكون فريداً من نوعك لا مثيل ولا شبيه لك.
لذلك لا تقلد الآخرين، وإنما فقط راقبهم وتعلم من تجاربهم وطبّق ما تعلمته في حياتك الخاصة وامضِ في طريقك الخاص الذي اخترته بنفسك، لا تتبع خطى أحد، بل اتبع خطواتك أنت، وكما قالت جودي جالارند: «كن على الدوام إصداراً من الدرجة الأولى لنفسك، لا إصداراً من الدرجة الثانية لشخص آخر».

www.hamadaltamimiii.com
copy short url   نسخ
14/04/2021
1038