+ A
A -
رشا عمران
كاتبة سورية
في بدايات الثورة السورية، كتب شاعر سوري كبير، كان كثير من الشباب المثقف المنخرط في الثورة يعول على رأيه ومساندته للثورة، كتب مقالا يشرح فيه موقفه من الثورة، ولماذا لم يقف معها، كان المقال صادما لنا جميعا، غير أن فقرة واحدة في المقال كانت هي الأكثر هولا لما أبدته من نخبوية فاضحة، وقصور في فهم علاقة السوريين مع النظام السوري، وقصور في فهم طبيعة النظام ودور المثقف مع نظام كالنظام السوري: قال في الفقرة ما معناه: «لم يقم النظام السوري بأذيتي يوما، ولم أتعرض منه لأي موقف مسيء لا أنا ولا أحد من أسرتي، لماذا سأقف مع ثورة تهدف إلى إسقاطه؟»..
تذكرت المقال إياه الذي ظل صاحبه يدافع عن النظام السوري حتى اللحظة، رغم كل ما ارتكبه من جرائم بحق السوريين، تذكرته وأنا أقرأ مقالا بقلم الروائية والكاتبة السورية (الرمز) غادة السمان، في جريدة القدس العربي بمناسبة رحيل نوال السعداوي، الكاتبة المصرية المناضلة من أجل حقوق المرأة، والتي تعرضت لحملات ممنهجة للإساءة لها طيلة حياتها، بسبب مواقفها الإشكالية من قضايا المرأة والتشريعات الخاصة بها، أي أنها كانت مثالا يحتذى في النضال النسوي، رغم اختلافها الكبير مع النسوية الغربية، والتي استعارتها النسويات العربيات الحديثات دون انتباه لخصوصية تميز المجتمعات العربية، ويجب التعامل مع هذه الخصوصية بما هو مختلف عن بلاد الغرب.
بغض النظر عن الاستعلاء الأنوثي، الذي حاولت غادة السمان إلإشارة إليه مرتين، حيث أعادت تذكيرنا بأنها جميلة وتهتم بزينتها، على عكس نوال السعداوي التي لم يتح لها ذلك القدر من الجمال، ولم تكن تهتم بأن تبدو جميلة، (وبالمناسبة كان شكلها هو أكثر ما تعرضت له بالهجوم من قبل الحملات الذكورية التي شنت ضدها)، وبغض النظر أيضا عن قول السمان صراحة في المقال أن نوال السعداوي كانت تشعر بالغيرة من الكاتبات الأصغر سنا «لأنها اتهمت النقاد الستينيين بأنهم يحابون صغيرات السن على حساب كاتبات مكرسات»، وهو ما كان على غادة السمان أن تنتبه أن اتهامات السعداوي كانت دائما في إطار كلامها عن التمييز الذي يطال النساء العربيات من الذهنية الذكورية السائدة في المجتمع، إذ لم يكن ينقص السعداوي الشهرة، كي تشعر بالغيرة من الكاتبات الشابات، إلا إذا كانت غادة السمان تعتبر أن نوال السعداوي تغار من الشابات بسبب جمالهن وصباهن، وهذه سقطة كبيرة لا نتمنى، نحن من أحببنا غادة السمان واعتبرناها رمزا يوما ما، أن تسقط بها.
بغض النظر عن كل ما سبق فإنه لمن المفاجئ والمدهش، وربما المثير للتساؤل، أن تعتبر كاتبة بحجم وقيمة غادة السمان، أن نضال نوال السعداوي النسوي طيلة حياتها يقف خلفه سبب وحيد، هو شعورها بالتمييز ضدها في بيت عائلتها لصالح إخوتها الذكور، بينما غادة السمان لم تشعر يوما بهذا التمييز، بل كانت تعامل من قبل أسرتها كما يعامل أخوتها الذكور!
فرغم أن النضال في القضايا العامة عموما قد يكون وراءه أحيانا دافع شخصي، إلا أنه من النرجسية والاستعلاء بمكان أن أتعامل مع قضايا المجتمع من منطق شخصي فقط، ملايين النساء العرب يعانين من التمييز، بينما الاستثاء هو حالة غادة السمان، هل يجب التعويل على هذا الاستثناء واعتباره قاعدة ينطلق منها المثقف ليقيم قضايا مجتمعه ويبني موقفه منها، أم عليه أن ينظر إلى ما هو سائد وعام حتى لو لم يكن هذا السائد يمسه شخصيا؟
ألا يتشابه موقف غادة السمان هذا مع موقف الشاعر المذكور في بداية المقال؟، وبالمناسبة أيضا، لم يحصل على مدى عشر سنوات سابقة أن تكلمت غادة السمان بشكل صريح عما يحصل للسوريين، وكأن الأمر لا يمت لها بصلة لا من قريب ولا من بعيد، يبدو أنها أيضا لم تكن تشعر بالتمييز ضدها من قبل النظام، وعسفه لم يطلها، فلا موقف لها منه؛ أو ربما هي لم تسمع عما يحدث للسوريين في سوريا، مثلما لم تكن قد سمعت عما يسمى ختان النساء إلا من نوال السعداوي، وهي نقطة أخرى تثير العجب في مقالها المذكور، إذ كيف بكاتبة بحجمها وثقافتها التي عرفت عنها أن لا تسمع بالختان، حتى لو لم يكن موجودا في سوريا ولبنان، هل قضايا العالم والإنسانية محصورة فقط بالمحيط الضيق الذي يعيش فيه الكاتب؟ هذا ما تقوله غادة السمان على ما يبدو، أو على الأقل هذا ما تقوله الآن في ثمانينياتها، وهي سن خطرة للكتاب على ما يبدو، لم ينج منها إلا نادرون، ليست منهم لا غادة السمان ولا نوال السعداوي.
copy short url   نسخ
13/04/2021
2074