+ A
A -
رشا عمران
كاتبة سورية
ماذا بعد؟
قد يتعلق هذا السؤال البسيط والصعب جدا بكل مناحي حياتنا نحن البشر، لا سيما من يعيشون في هذه المنطقة المكلومة والمشتعلة من العالم..
وماذا بعد؟ وما مصير البشرية، ما مصير الأجيال العربية القادمة؟
ماذا بعد؟
أتساءل مثل ملايين السوريين الموجودين في سوريا والمنتشرين حول العالم؟ متى ستحدث تلك المعجزة التي تنقذ ما تبقى من وطن تتناهبه مافيات السياسة والاقتصاد والسلاح والدين، تتناهبه قوى وجدت فيه مكانا مناسبا لتصفية حساباتها وإعادة ترتيب مصالحها، وطن يكره أبناءه حتى الموت، فيفتك بهم تعذيبا وتجويعا وتفقيرا وإذلالا وقهرا وتشريدا وطردا، ويعشق محتليه حتى العبادة، فيفتح لهم خيراته وأرضه وسماءه وبحره ومناجمه ومستقبل أولاده، فلا يعرف السوري هل هو في وطنه حقا، أم أنه بات ضيفا لدى محتل أو محتلين، يسممون حياته ويحددون له ما يجب عليه فعله..
ولكن مهلا! هل للمحتل، أي محتل، أن يفعل هذا دون أن يجد من يفتح له الأبواب ويحسن استقباله؟
في حالة سوريا تساوى النظام مع معارضيه في الخارج بفعل هذا، الاثنان، النظام والمعارضة، شرعوا أبواب الوطن للمحتلين الجدد، يفعلون به ما يشاؤون، يستبيحونه كما يشاؤون، يفتكون بخيراته كما يشاؤون، يستخدمون أبناءه في حروبهم كما يشاؤون، يتصرفون كما لو أنهم اشتروا هذا الوطن البائس بما وبمن فيه..
وماذا بعد؟
بالأمس حاولت مجموعة من الوطنيين السوريين في داخل سوريا عقد اجتماع في قلب دمشق، للوصول إلى حل ينقذ ما يمكن إنقاذه، انتشرت قوات الأمن وعناصره وأحاطت بمكان الاجتماع ومنعت المشاركين من الوصول إلى الاجتماع، ويقال إنها اعتقلت البعض، من أحاط المكان وأعاق الاجتماع واعتقل المشاركين سوريون أيضا، وأكاد أجزم أنهم يعانون مثل ما يعاني باقي الشعب من انعدام متطلبات الحياة ومن الغلاء ومن البرد ومن الذل، لكنها عقدة ستوكهولم، التي تجعل من ضحية ما متماهيا مع جلاده، مع محتله، مع كل من يمتلك السلطة والقوة، هل ستستفيق ضمائر هؤلاء ذات يوم ليكتشفوا أنهم مجرد ضحايا حولهم الجلاد إلى مجرمين؟ أو هل ستحدث عدالة ما ذات يوم تعاقب على كل الارتكابات التي حصلت بحق السوريين منذ أول 2011 وحتى الآن؟.
وللحق.. منذ 1970 وحتى الآن، إذ منذ ذلك التاريخ والجرائم بحق المجتمع السوري لم تتوقف، وإن تحققت عدالة ما ذات يوم، فيجب أن تأخذ في حسبانها كيف عمل النظام على سد كل منافذ الأمل لهذا المجتمع، على تحويله إلى ثكنة عسكرية، على حرمان أبنائه من التنفس والتعبير، على تجريفه من مدنيته ومدينته وتحويله إلى تجمعات عشائرية وطائفية ومذهبية، تنشط في القاع لتخلخل أساسات بنيان هذا الوطن، حتى إذا حدثت انتفاضة ما كما حدث في 2011، انهار البنيان من أساسه وبفعل أبنائه، وانهارت معه، بالضرورة، كل أحلام التغيير ووسائله السلمية السلسة، لتصبح لغة العنف والدم والقتل هي السبيل الوحيد، لذلك وطبعا ستكون نتيجة ذلك كارثية أيضا، إذ لن ينتج عن العنف الشديد سوى التطرف، والعنف المقابل، وهكذا يعيش (الوطن) في دوامة لا ينجو منها أحد، حتى الهاربون من الدوامة، ستحتفظ ذواكرهم بأثر الدوامة، وسيعيشون مع هذا الإرث الثقيل طيلة حياتهم.
وماذا بعد؟
ليست سوريا سوى جزء من منطقة تعيش كما لو أنها على فوهة بركان ملتهب، كل ما في هذه المنطقة جاهز للانفجار، أليس من العار أن يكون من يمثل قضية ما يشبه عدوه ؟!
ابتلي السوريون بهذا للأسف ولا يبدو أن ثمة أملا قريبا..
ويبقى السؤال: ماذا بعد، هو الطريقة الوحيدة المتاحة للملايين للتعبير عن غضبهم وقهرهم، خصوصا أن العالم كله، مع كوفيد، لا يعرف مصيره.
copy short url   نسخ
30/03/2021
2075