+ A
A -
داليا الحديدي
كاتبة مصرية
أعيش مع ابنتي أجمل الصراعات، بين الرغبة في تعديل سلوكها باستخدام سلطاتي كأم تستطيع بسط نفوذها وبين قناعاتي بأن الحب يتطلب منح حرية الاختيار للمحبوب.
إنه صراع الواجب في إدراج سلوكيات بعينها للأبناء وصراع الأوجب في توسل وسيلة لائقة في تطبيق هذا الواجب.
فبناتي شخصيات «هليهلية» والمصطلح عامي لكنه يفضح حقيقة المعاناة، فلا اهتمام بمظهر ولا بآداب طعام، ما يستتبع اعتراضات كبيرة من جانبي.
فمنذ فترة، ألحت ابنتي للذهاب لشراء حلوى من دكان صغير داخل المجمع الذي نقطنه، فلم أمانع، لكن طلبت منها تغيير ملابسها، الحقيقة أنا لا أكف عن مطالبتهن بتغيير الثياب بمجرد الاستيقاظ لأن ملابس النوم لا تصلح سوى للنوم وملابس البيت لا تصلح خارج البيت.
لاحقا، وانصياعاً للواقع تقلصت مطالبي، فبت أوافق على ارتداء ملابس بيت لكن بقدر ولو معقول من اللياقة. وبمجرد ما تقلصت مطالبي فرض الأبناء أسلوبهم في ارتداء الملابس التي يرون أنها مناسبة، لذلك فهم لا يرتدون سوى ما يعرف بالـ«هودي»
Hoodie
ويعتبر الهوودي نوعا من البلوفرات ذات القياسات الواسعة والتي تدمغ صاحبها بأنه شخصية «كوول» ومرحة. وحبذا لو كان الهوودي قياسين أكبر أو سالفينه من الأخ الاكبر، ليكون ذلك برهانا على ان من يرتديه شخصية ضليعة في عالم الموضة.
وعبثا أحاول تغيير رأي بناتي لارتداء ثياب انيقة لكن دون طائل..
الشاهد، فكرت في الاتصال بجارتي لكي أطلب منها أن ترسل بناتها لمقابلة بناتي صدفة في الدكان حيث ارتأيت أن هذا الترتيب لمقابلة صدفة قد يشعر بناتي بالحرج من ملابسهن الرثة التي يرفضن تغييرها، ما قد يؤدي لتعديل لاحق في السلوك.
عشت للحظات صراعا بين رغبتي في الالتفاف والتحايل لإشعار صغيراتي بأنه في يوم من الأيام تحدث الصدف وتلتقي الأعين ويجلد الحرج إن لم نعتن بهندامنا داخل البيت أو خارجه.
وبالفعل طلبت رقم جارتي ثم سارعت بإغلاق الخط وتراجعت في اللحظة الأخيرة، اذ لم تعجبني فكرة التحايل كما وجدتني بذلك سأخون قناعاتي بضرورة توفير الحرية لمن نحب عوضا عن أنني خشيت عليهن من قسوة الإحراج.
عادت الفتاتان سريعا تتهامسان وعليهما علامات الحسرة!
وكم كان ذهولي حين أخبرتني إحداهما أنهما قابلتا ابنة جارتنا صدفة بالدكان..
ووصفت لي الأخرى مدى الحرج الذي شعرت به حيث كانت الجارة بمنتهى الأناقة وقد اقتربت منها وقبلتها بثقة.
اعتقدت أن هذا الموقف سيكون درسا لبناتي في ضرورة العناية بالهندام والمظهر داخل البيت أو على الأقل خارجه، لكن حتى الآن لم ألحظ أي تغيير في عنايتهن بالمظهر.
على كل حال، لقد وعيت أنا درس عدم الالتفاف للتحايل باختلاق صدف مصطنعة تفسد الولاء للقناعات، فترك الأمور سيقود للأفضل دون خيانة القناعات.
اكثر من ذلك، قررت أنا شراء عدد من «الهووديز» وتصفيف شعري بما يسمى بالـ messy ban كي لا تشعر أي من بناتي أننا من أجيال متنافرة. وقد وجدت أسلوبهن في تصفيف الشعر لطيفا رغم انني أفضل الشعر المفرود لكنني على استعداد للتغير لو كان ذلك سيجعلني ألتقي مع بناتي في منتصف الطريق.
مع كل لحظة أعيشها مع أبنائي أتذكر قول جبران:
«أولادكم ليسوا لكم، أولادكم أبناء الحياة المشتاقة إلى نفسها، بكم يأتون إلى العالم، ولكن ليس منكم. ومع أنهم يعيشون معكم، فهم ليسوا ملكاً لكم. أنتم تستطيعون أن تمنحوهم محبتكم، ولكنكم لا تقدرون أن تغرسوا فيهم بذور أفكاركم، لأن لهم أفكارا خاصةً بهم. وفي طاقتكم أن تصنعوا المساكن لأجسادكم. ولكن نفوسهم لا تقطن في مساكنكم. فهي تقطن في مسكن الغد، الذي لا تستطيعون أن تزوروه حتى ولا في أحلامكم.
وإن لكم أن تجاهدوا لكي تصيروا مثلهم. ولكنكم عبثاً تحاولون أن تجعلوهم مثلكم. لأن الحياة لا ترجع إلى الوراء، ولا تلذ لها الإقامة في منزل الأمس. أنتم الأقواس وأولادكم سهام حية قد رمت بها الحياة عن أقواسكم».
copy short url   نسخ
06/03/2021
1927