+ A
A -
تحقيق - آمنة العبيدلي
أوصى مجلس الشورى مؤخرا بزيادة الوعي بحرمة المال العام وحسن استغلاله وفقاً لأحكام القانون، وذلك تجنباً للفساد المالي، وتوعية المجتمع بالابتعاد عن الترف والتبذير والرفاهية الزائدة من خلال تشجيع الأنشطة والفعاليات التي تُعَوّد النشء على تحمل مسؤولية وحسن إدارة موارده المعيشية.
ودعا مجلس الشورى إلى إنشاء جهاز أو آلية تتولى وضع السياسات وتنسيق الجهود بين الجهات المعنية المختلفة، ومراقبة ومتابعة وتقييم الخطوات التنفيذية المتعلقة بتعزيز القيم والمبادئ والأخلاق في المجتمع.
والمال العام هو المال الذي تعود ملكيته للجهات العامة للدولة أو المؤسسات المختلفة والمتعددة فيها، وهو في حقيقة الأمر ملك كل مواطن ولا يجوز لأحد أن يستأثر به وحده، على سبيل المثال لا يجوز لموظف في مؤسسة ما أن يستخدم أدوات وظيفته من هواتف وأجهزة حاسب وسيارات وأقلام وأوراق لمصالح ذاتية، وألا يميز نفسه بمزايا مالية ليست من حقه، ولا يجوز كذلك الإسراف في استهلاك الأشياء التي توفرها الدولة بالمجان في بعض المؤسسات من مياه وكهرباء، حتى الاعتداء على البيئة وعدم الالتزام بقوانين المرور وبالقوانين عموما هو اعتداء على حرمة المال العام، ولأهمية هذا الموضوع كان من ضمن توصيات مجلس الشورى مؤخرا..
الوطن من جانبها استطلعت آراء عدد من أعضاء المجلس البلدي ومحامين وأكاديميين عن أهمية المحافظة على المال العام وعدم الاعتداء على حرمته وزيادة الوعي بأهميته وخرجنا بالتفاصيل التالية :

الأخذ منه جريمة.. وإثمه أكبر
قال الدكتور عبدالحميد الأنصاري عميد كلية الشريعة والقانون سابقا بجامعة قطر: لا بد من تفكيك التصورات السائدة لدى قطاع مجتمعي عريض بأن الأخذ من المال العام أقل حرمة من السرقة من المال الخاص حيث لم يرتب الإسلام عقوبة حدية كقطع اليد على الاختلاس من المال العام كونه ملكية عامة ولكل مواطن جزء من الملكية.
هذا وهم زائف وتصور خاطئ تماما.. حرمة المال العام أعظم من المال الخاص.. والأخذ منه جريمة عظيمة وإثمه أكبر ويعد من الكبائر لسبب بدهي وبسيط، السرقة من المال الخاص يمكن الاستغفار من الله وطلب المسامحة من صاحبها بردها.. لكن كيف يمكن الاستغفار من الأخذ من المال العام؟ لا سبيل للاستغفار ولو حج 20 حجة إذ لا سبيل إلى رده إلى أهله.. لقد سماه القرآن بـ (الغلول) وهو الاختلاس من الغنائم التي كانت تشكل المال العام قديما.. وقد توعد القرآن صاحب الغلول بعقوبة أخروية عظيمة هي الخزي والفضح على رؤوس الأشهاد يوم القيامة في قول الحق تبارك وتعالى (وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) وتوعد رسولنا عليه الصلاة والسلام المختلس بالنار كما في الحديث.. ولابد من تفعيل أدوات وأجهزة الرقابة الإدارية ومكافحة الفساد وحماية المال العام هذا من جهة الدولة.. ومن ناحية أخرى يجب العمل على تنشيط الرقابة المجتمعية عبر مختلف الوسائل والمنصات الإعلامية والصحف .إضافة إلى تعزيز دور منظمات المجتمع المدني في كشف انحرافات الأجهزة الحكومية..
فالدولة مهما أوجدت من الأجهزة الرقابية لا تستطيع أن تحيط بكافة أشكال الفساد والانحرافات لكن المجتمع أكثر قدرة على الكشف وتسليط الأضواء على الانحرافات.. وكما قيل ألسنة الخلق ألسنة الحق.

على رب الأسرة أن يكون قدوة في ذلك
قال المحامي جذنان الهاجري: في البداية أشكر مجلس الشورى الموقر الذي وضع ضمن توصياته مؤخرا زيادة الوعي بحرمة المال العام وحسن استغلاله، والحمد لله المواطن القطري لديه قدر كبير من الوعي بحرمة المال العام ويحرص على حمايته لأن الدولة وفرت كل ما يحتاجه المواطن وبالتالي المواطنون يردون الجميل، أما زيادة الوعي بحرمة المال العام فمن خلال رب الأسرة إذ عليه أن يكون قدوة لأبنائه بالمحافظة على كل ما تقع عليه عينه من ممتلكات الدولة، وعلى كل مسؤول في موقعه أن يكون قدوة في المحافظة على المال العام، ويجب كذلك تعليم أبنائنا قيم المحافظة عل المال العام من خلال المقررات الدراسية.

مجتمعنا على وعي.. وهناك قوانين رادعة
قال السيد جبر بن محمد السويدي عضو المجلس البلدي: أنا أرى أن المحافظة على المال العام من صميم الانتماء لهذا البلد الحبيب ومن صميم الولاء لقيادتنا الرشيدة التي وفرت لنا كل ما نحتاج، فمن الطبيعي أن نحافظ إذن على الوطن وحماية المال العام ليست مسؤولية الدولة أو الأجهزة الرقابية وحدها ولكنها مسؤولية المجتمع ككل، وأنا أرى أن المجتمع القطري على وعي كامل بحرمة المال العام، وبالطبع هناك قوانين ولوائح رادعة لكل من تحدثه نفسه بالإساءة إلى المال العام واستغلاله لمصالح ذاتية.
وأضاف قائلا: أشكر مجلس الشورى الموقر الذي نبه إلى هذه القيم والمثل العليا وإن شاء الله شعبنا القطري عند حسن الظن.

الأجهزة الرقابية صمام الأمان
قال السيد علي بن فهد الشهواني عضو المجلس البلدي إن الاعتداء على حرمة المال العام هو اعتداء على حق الدولة وعلى حق كل مواطن في الدولة، لأن المال العام تديره الدولة لصالح المواطنين، ويضفي المشرع في مختلف دول العالم حماية خاصة للأموال العامة نظرا لكونها تعم لنفع المجتمع كله، ويتوقف على حمايتها وصيانتها استمرار عمل المرافق العامة بشكل منتظم لخدمة جمهور المواطنين، والقوانين كلها تجعل الحماية واجبة على الدولة وأفراد الشعب معا، ولتحقيق الحماية تستخدم أجهزتها الرقابية والأدوات القانونية التي وفرها لها المشرع، وتقوم بمباشرة الرقابة الوقائية قبل حدوث المخالفات عن طريق سلطتها في رقابة أداء الجهات الخاضعة لرقابتها، وتستطيع بناء على ذلك التدخل في الوقت المناسب لتصويب المسار وتفادي الأخطاء والتجاوزات قبل حدوثها ويمثل الأجهزة المعنية بالرقابة المالية والإدارية في الدولة صمام الأمان للمال العام.

فرض على كل مواطن ومواطنة
قال السيد جاسم بن نجم الخليفي عضو المجلس البلدي: فيما أعرف أن المال العام هو المال الذي لا يتبع لشخص بعينه وإنما للجهات العامة في الدولة، وهو ليس بمال بالمعنى الحرفي ولكنه كل شيء يستخدم لصالح المواطن من قبل الدولة في مكتبي على سبيل المثال لو كنت موظفا في الدولة الكرسي الذي أجلس عليه مال عام تجب علي المحافظة عليه، وكذلك الأجهزة التي أستخدمها مال عام، الكهرباء والماء في مقر عملي مال عام يجب ألا أسرف في استخدامها.
وهذا المال بهذا الوصف يجب حمايته من أي اعتداء أو تصرف ينتهك صفته العامة سواء كان ذلك ببيع أو تأجير أو أي تصرّف عام، وهناك سبل لحماية المال العام، وكذلك يترتب على هذه الحماية آثار إيجابيّة متعددة، ويجب علينا أن نعلم هذه القيم لأبنائنا سواء داخل البيت أو من خلال المناهج الدراسية، ومن الواجب نشر ثقافة المحافظة على المال العام واستشعار قيمته لتحقيق الاستدامة، ومن خلال البرامج في وسائل الإعلام المختلفة.
copy short url   نسخ
01/03/2021
1419