+ A
A -
نــزار عــابــديــن
كاتب سوري
من المصطلحات المضلِلة وصف فعل ما بأنه (وحشي) ووصف سلوك ما بأنه يشبه سلوك الوحوش، ومنها وصف مجرم ما ارتكب جريمة فظيعة بأنه (وحش بشري) ووصف جرائم الدول التي تمارس القتل والارهاب (وإسرائيل على رأس القائمة) بأنها «جرائم وحشية). ويخصصون أحياناً في بعض الجرائم كجرائم اغتصاب الأطفال وقتلهم مثلاً فيقولون عن مرتكبها إنه (ذئب بشري)، وهذا كله تجن وافتراء على الوحوش، ولو كانت تستطيع ان تفهم ما نقول لاحتجّت بصوت عال على هذه الأكاذيب، ولكان من حقها أن تقاضينا أمام محكمة الطبيعة.
الحيوانات كلها (والوحوش منها) تتحكم بها غرائزها وفطرتها التي فطرها الله عليها، و(اللواحم) التي نسميها وحوشاً تعيش على اصطياد حيوانات (عشبية) ولكننا لا نجد في عالم الحيوان (وحشاً) قتل ابن جنسه أو أي وحش آخر، إلا دفاعاً عن أنثاه وأولاده ومنطقة نفوذه، أي عندما يضطر للدفاع عن (وطنه). والانسان هو الحيوان الوحيد الذي يمارس الصيد للاستمتاع، أما (الوحوش) فلا تمارس الصيد إلا لأنها جائعة.
والإنسان هو الحيوان الوحيد الذي يمكن أن (يغتصب) أنثى قبل (بلوغها) وفي معظم الفصائل الحيوانية (والطيور أيضاً) يستعرض الذكور قوتهم وجمالهم، ويتركون حرية الاختيار للأنثى.
والذئب مثلاً حيوان اجتماعي، وهو من أكثر الحيوانات شفقة ورأفة وحنواً على أنثاه وصغاره، فكيف يهينونه بتشبيه مجرم عديم الضمير والأخلاق به؟
والدارس لسلوك الحيوانات يعجب أحياناً لتكاتفها وتراحمها وتعاونها وما يسود جماعاتها من نظم نتمنى لو أن البشر يسيرون على هديها، ومن أجمل الأمثلة قطيع الفيلة وجماعات القرود
لا تعرف الحيوانات والوحوش (الاحتكار) ولا كنز الغنائم ولا استعباد الآخرين وقتلهم وترويعهـم واضطهـادهم لتحقـيق المكاسـب، وهل من سـبب غـير هـذا لكثير من الحـروب؟
في إحدى رسائل (إخوان الصفاء) محكمة متخيلة تحتكم إليها الحيوانات والجن والانس، وتسفّه الحيوانات جميع ادعاءات البشر تفضيل الله لهم على بقية مخلوقاته، وفيها شرح بديع للأخطاء والخطايا التي يرتكبها بنو البشر، وتترفع الطيور والحيوانات عنها، حتى يقوم الخطيب الحجازي المكّي المدني (لاحظوا الصفات) فيبين أن فضل الإنسان على الحيوان أنه يُبعث فيحاسَب على أعماله ويدخل الجنة، فأقرت له الحيوانات والجن بالفضل، ولكننا نلاحظ أنه حصر الفضل في المؤمنين المتقين الذين يخافون ربهم ويرجون مرضاته، أما العصاة الفاسقون فأحط من الحيوانات والوحوش. إن وسائل الاعلام تحفل يوميا بآلاف الجرائم الفردية والجماعية مما لا يمكن ان يرتكبه أي وحش، بل ربما كان من حق الوحوش إذا ارتكب أحدها فعلاً شنيعاً أن تقول (كأنك بشري).
copy short url   نسخ
18/01/2021
2015