+ A
A -
رشا عمران
كاتبة سورية
مدهشة كمية الوقاحة التي يتمتع بها أنصار الأنظمة الديكتاتورية والاستبداد العربية، في تعليقاتهم عما يحصل في الولايات المتحدة الأميركية، مدهشة وقاحتهم وهم يهزأون من الديمقراطية الغربية، التي يرون أنها سقطت وكشفت ما تخفيه ورقة التوت الساترة، مدهشة أيضا شماتتهم بما يحدث، وآمالهم بسقوط أميركا وانتهائها، لا لشيء، إذ من حق أي كائن في الأرض التعبير عن رأيه وعن رغباته، وإنما لأن من يؤيد أنظمة شمولية ويساندها في قتل معارضيها، ومن يقف من الديكتاتوريات الأمنية التي لا مانع لديها من تدمير بلادها وتشريد شعوبها والتنكيل حتى الموت بمعارضيها، لا يحق له ولا بأي منطق أن يتحدث عن سوء العملية الديمقراطية في أي بلد، أما الشماتة فعدا عن أنها عار أخلاقي كبير، فهي تحمل عند هؤلاء معنى آخر، فهم أصحاب نظرية المؤامرة المتعلقة بالربيع العربي، هؤلاء يؤمنون تماما أن الشعوب العربية تحركت بناء على طلب أميركي تحديدا، وأن هدف حكومة الولايات المتحدة الأميركية هو إسقاط الحكومات العربية الممانعة (النظام السوري)، إذ ليس من قبيل المصادفة أن غالبية هؤلاء الهازئين بالديمقراطية الأميركية هم قوميون ويساريون عرب مازالوا يعتقدون، حتى الآن، أن النظام السوري عروبي ومقاوم، وأن المؤامرة الكونية التي تقودها أميركا تستهدف موقف النظام من القضية، ويحق لنا أن نسأل عن أية قضية يتحدثون وعن أية مؤامرة؟!
النظام العربي الوحيد الذي لم يتغير فيه شيء واحد ولم تتبدل عناصره، هو النظام السوري، الذي بات الجميع يدركون أنه لولا دعم النظام العالمي التي تسيره الولايات المتحدة له لما بقي حتى الآن؛ هل تساءل هؤلاء لماذا تنحى الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، هل يعتقدون فعلا أنه تنحى لأن المصريين اعتصموا في الساحات؟ لماذا رحل بن علي؟ ولماذا قتل القذافي؟ ولماذا حصل ما حصل في اليمن؟! لماذا وحده بشار الأسد من بقي هو ونظامه رغم أنه ما من نظام آخر فتك بشعبه ودمر بلده وحولها إلى بلد لا تصلح للحياة الآدمية سواه، ورغم أن المقاومة التي يتباهون بها لم تحدث سوى ضد الشعب السوري؟!
فإسرائيل تسرح وتمرح في السماء السورية وتضرب ما تشاء من المواقع العسكرية دون أن تتجرأ القوات السورية ولو على رد واحد على ما تقوم به، كما أن داعش تسرح وتمرح وتنتقل بين الأراضي السورية، وتفتك بالسوريين وبالجيش السوري، دون أن يقوم لا النظام ولا حلفاؤه ولا حتى التحالف الدولي الذي تتزعمه الولايات المتحدة بالقضاء عليها، رغم أن ما تبقى منها لا يتجاوز الألف عنصر!
ألا يخجل هؤلاء من السخرية مما يحصل في الولايات المتحدة الأميركية فعلا ؟ تخيلوا لو أن متظاهرين عربا اقتحموا برلمانا عربيا في الدول إياها ما الذي كان سيحدث؟
هل يدرك هؤلاء أن ما يحاول ترامب فعله من البقاء رئيسا لدورة ثانية، رغم خسارته في الانتخابات، ولم ينجح بسبب المؤسسة الديمقراطية الحاكمة، هو ما تحلم به شعوب الجمهوريات العربية؛ أن يكون هناك نظام رئاسي يتغير بانتخابات ديمقراطية كل أربع سنوات، حتى لو خطر لأحد الرؤساء أن هناك مؤامرة تحاك ضده كما يظن ترامب، والمصيبة أن هؤلاء يفاخرون أن سوريا لم يحكمها سوى الأب والابن في وقت حكم فيه الولايات المتحدة أكثر من خمسة عشر رئيس، هل يعتقد هؤلاء أن الشمولية هي استقرار بينما الديمقراطية هي توتر سياسي واجتماعي؟ كيف يفكر هؤلاء ؟!
في الوقت نفسه يبدو من المثير للدهشة أن يدافع مثقفون عرب عما يفعله ترامب، مهاجمين بشدة الديمقراطيين الذين يعتبرونهم متآمرين على ترامب ومزورين للانتخابات ونتائجها، والمفارقة أن هؤلاء يقفون في طليعة (ثوار) الربيع العربي، الذي قام من أجل التغيير الديمقراطي أولا، أي من أجل أن تحظى بلادنا بنظام رئاسي قائم على مؤسسات وعملية ديمقراطية تعتبر الرئيس موظفا لدى الشعب لا العكس، وتنتهي ولايته حين يرفض الشعب التجديد له، كيف يمكن فهم هذا التناقض الغريب الذي يجمعه هؤلاء (الثوار) مع بعض مؤيدي الأنظمة (أيضا قوميين ويساريين) ممن يعتقدون أيضا أن ترامب يتعرض لمؤامرة كبيرة لإقصائه عن الحكم لدورة جديدة؟.
ثمة الكثير مما كشفته الأحداث الأميركية الأخيرة، الكثير من التناقضات والازدواجية والفصام في العلاقة مع السياسة وأنظمة الحكم، والفهم العميق للديمقراطية والرؤية الأحادية المؤدلجة التي غالبا ما تعتمد نظريات المؤامرة كمستند أساسي في دفاعها عن قناعاتها، كما كشفت التناقض حول مفهوم حرية الرأي، فرغم كل ما تسببت به سياسات ترامب الشعبوية وتصريحاته المثيرة للجدل والغرابة التي كان يبثها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فإنني شحصيا أرى في خطوة (تويتر وفيسبوك) إيقاف حسابه ومنعه من النشر أمرا خطيرا حقا، فهو متعلق بشكل مباشر بموضوع حرية التعبير، وهي سابقة قد تنذر بالأسوأ، فإذا تم فعل هذا مع من مازال رئيسا لأهم دولة في العالم رغم كل شعبويته، فهو قد يحدث مع أي كان لمجرد أن ما يفعله لا يعجب مالكي تويتر وفيسبوك، ولست هنا بوارد الدفاع عن ترامب ولا عن السياسة الأميركية بكل ما فيها، ولكن خطورة ما يحدث تجعلنا نتأمل مستقبل هذا العالم، وسواء شئنا أم أبينا، ما يحدث في أميركا هو مؤشر كبير، على ما سيكون عليه عالمنا، الذي يتجه منذ عشر سنوات مضت نحو المزيد من الفوضى والجريمة المنظمة والشعبوية والقمع الذي بات يمارس حتى في العالم الافتراضي، ليكتمل ببث حالة الرعب التي خلقها الفيروس اللعين، والتي جعلت البشرية كلها في قبضة الأنظمة عبر المنع والسماح والعقوبات والخ..على أننا نبقى نحن العرب خارج السياق، خارج كل تصنيف، نرى ما يحدث في العالم من خلال مصالحنا الضيقة، دون أن نحاول التوسع في رؤية المشهد كاملا، المشهد الذي سوف تنعكس نتائجه أول ما تنعكس علينا، نحن الشعوب المتروكة كحقول تجارب بإدارة أنظمة طاغية تسلك مسلك العصابات في حكمها، ويصفق لها المعمية قلوبهم قبل عيونهم.
copy short url   نسخ
12/01/2021
2109