+ A
A -
رشا عمران
كاتبة سورية
قرأت قبل أيام عنوان رسالة وصلتني على الإيميل تضم مقالا لإحدى الشخصيات السورية من العاملين في الشأن السياسي، عنوانها كان التالي: (الثورة السورية التي لم يساندها أحد)، لم أفتح الرسالة لأقرأ المقال، كان العنوان بالنسبة لي كافيا لفهم فحوى المقال، ولتوقع جمل طويلة في شتم الرأي العام العالمي والمجتمعين الدولي والعربي لتقاعسهما عن تغيير النظام السوري واختيار بديل عن بشار الأسد، إذ دأب كثر من السياسيين والكتاب السوريين على تدبيج مقالات تتحدث عن ذات الموضوع: الثورة السورية الوحيدة والتي تخلى عنها الجميع، ولم يعد ثمة ما هو جديد في مقال أو كلام من هذا النوع، كل ما به سوف يكون متوقعا ومكررا!
بالعموم، فإننا جميعا، نحن الكتاب السوريين، عندما نكتب عن سوريا وثورتها، فإننا كثيرا ما نكرر أفكارنا، إذ لم يعد ثمة جديد أساسا في مجريات الحدث السوري ومسار الثورة، فبتننا نكتب عن تفاصيل إنسانية تتعلق بوضع السوريين عموما بعيدا عن السياسة.
فكرت وأنا أقرأ عنوان المقال المعني بما يقارب من عشر سنوات من الثورة السورية، وأنا من الذين كانوا معها منذ لحظتها الأولى، مثلما كانوا مع باقي ثورات الربيع العربي السابقة واللاحقة، مثلما سأكون مع أية ثورة أو انتفاضة شعبية تحدث في أي مكان في العالم، فأنا من المؤمنين أن الشعوب دائما على حق، وحتى لو تحول مسار الانتفاضات والثورات فإن ذلك لا يغير من أحقيتها وضرورتها.
هل فعلا كانت الثورة السورية وحيدة ولم يساندها أحد، كما يكتب عديدنا في محاولة لاستعراض مظلومية من المظلوميات الكثيرة التي رافقت سنوات الثورة، وبعضها كان محقا بطبيعة الحال، بينما البعض الآخر لم يكن سوى نوعا من أنواع الإفلاس الثوري والوطني وتعويض عن الاعتراف بالهزيمة! هل كانت الثورة السورية وحيدة؟! في تقديري الشخصي إنه لم يسبق أن تعاطف الرأي العام العالمي مع حدث كهذا كما حصل مع الثورة السورية في سنتها الأولى، وعلى كل المستويات، بدءا من الإعلام والصحافة، وانتهاء بالتمويل والدعم المالي، مرورا بالبيانات والرسائل الموجهة للمجتمع الدولي من قبل مثقفين ومفكرين عالميين وعرب، عدا طبعا الدعم العربي الشعبي الذي كان متوهجا فعلا، إذ كانت الحالة الثورية العربية في أوجها، وسمعة النظام السوري أساسا ليست في أفضل أحوالها.
في الإعلام العربي والعالمي كان الخبر السوري هو الأول دائما، استمر هذا لوقت طويل نسبيا، المظاهرات التي كان يخرج بها السوريون في بلاد الغرب والعرب كانت تحظى بحضور ومساندة شعبية كبيرة، الفعاليات الثقافية السورية المعارضة لاقت كل الدعم المعنوي والمادي من المنظمات والحكومات في أوروبا في بلاد العرب، فتحت أبواب الدول في السنة الأولى والثانية للاجئين والهاربين من الموت، ووجدوا كل التعاطف والمساعدة، لم يبخل أحد في تقديم أي عون للثورة عندما كانت ثورة شعبية محقة ذات مطالب ديمقراطية حديثة، فعن أي تخل من العالم يتحدث السوريون؟!
ما حدث في الثورة لاحقا سببه المباشر، أولا نظام الأسد الذي ارتكب من الفظائع ما لم يحصل في التاريخ واستطاع أن يفتت المجتمع السوري الذي كان مهيأ لأن يكون كله ثوريا، لولا أن خطاب المعارضة تحول بسرعة مدهشة إلى خطاب متطرف وطائفي وبعيد كليا عن الخطاب الوطني الجامع، وهو السبب الثاني لما حصل، رهنت المعارضة الثورة السورية لأجندات أخرى فئوية وحزبية وطائفية، وسيطر الفكر المتطرف، سواء في الخطاب الإعلامي أو على الأرض، على مجريات الثورة، بعد تسليحها المنظم وتحويلها إلى ميليشيات متطرفة تمارس من العنف تحت اسم الدين ما يشابه أفعال النظام ضد السوريين، في الوقت الذي استطاع النظام تقديم نفسه (دوليا) بوصفه محاربا للإرهاب، و(داخليا) بوصفه حاميا للشعب المعتدل من المتطرفين.
أعرف الكثير من المثقفين العرب الذين غيروا مواقفهم من الثورة السورية بسبب التطرف الذي وجدوه لدى مثقفين سوريين تحولوا فجأة إلى داعمين لجبهة النصرة ولداعش وغيرها، في حين كان يجب أن يكون هؤلاء هم واجهة الثورة السلمية والناطقون باسمها، تحول خطابهم فجأة إلى خطاب عنفي طائفي مخيف واستطاعوا مع مجريات الثورة والحرب على الأرض تحويل صورتها من ثورة سلمية تطالب بالعدالة والتغيير الديموقراطي إلى ثورة (سنية) ضد النظام (العلوي) بل حتى ثورة سلفية! أليس طبيعيا أن ينفض العالم المصاب بلوثة الاسلاموفوبيا عن ثورة كهذه؟! ما الذي أردناه من الرأي العام العالمي؟! خصوصا بعد أن ترك غالبية السوريين الثوريين سوريا لأسباب عديدة لا مجال لها هنا الآن، هل أردنا أن يغير لنا الرأي العام العالمي النظام ونحن أول من تخلى عن الثورة المحقة ولم نقم بأية مراجعة أو تقييم لما حدث وما زلنا مستمرين في ذات الخطاب والرؤية وتأجير مواقفنا لآخرين يريدون مصالح بلادهم (وهذا حقهم الطبيعي)! لماذا نشتم العرب والعالم ونحملهم مسؤولية ما فعلناه بأيدينا ؟!
copy short url   نسخ
08/12/2020
2648