+ A
A -
نــزار عــابــديـــن
كاتب سوري
آمن الصحابة رضي الـلـه عنهم والتابعون بحق الناس في الاختـلاف، وتبعهـم الأئمّة الكبار، وتـذكرون المبـدأ الرائـع الذي أطلـقه الإمـام الشافعي «150ـ 204هـ / 767- 819م»: «رأيي صواب يـحتـمل الخطأ ورأي غـيري خطأ يحتمـل الصواب». لكن المتأخريـن لم يحـترمـوا هـذا «الحق»، وصار الاختلاف في الرأي حول أصغر الامور مدعاة إلى «التكفير». وبدلاً من أن نرث سمـاحة الأوائل واحترامـهـم «الرأي الآخر» حتى في تـفسـيـر آيات الكتاب الكريم والأحاديث الشـريفة، واسـتنباط الأحكام بالاجتهاد والقـياس، ورثنا عن المـتأخرين تـشبـثهم بآرائهـم وتعصـبهم لـها، وتسـفـيـه الرأي الآخر واحـتقاره، حتى وصل الأمر إلى التـكفـيـر. وفي القرن العشـرين اخترعنا مقابلاً سـياسـياً للتكفير هو «التخوين»
عندما تعاظم«المدّ القومي» العـربي، ارتبـط هـذا المد بتطبيـق «الاشـتراكيـة» بدرجـات مـتـفـاوتـة. لكن دولاً عـربية كـثيـرة ارتضـت «النظام المـلكي» كنظام حكم، ووجدت في «الرأسماليـة واقتصاد السـوق» النهـج الأمثل لاقـتـصادهـا، وانـتشـرت في تلك السـنوات مـوضة «التخويـن والاتهام بالعـمالة» لهـذه العاصمة أو تلك. راح «التـقدميون» يتهمون كل من يخالفونهم الرأي بأنهم «الرجعـيـة» العـربـيـة، وبأنهـم سـبب مـصائـب الأمة من نكبة فلسـطين إلى انهـيار الوحدة، إلى سـلسـلة الهـزائـم التي منيت بها الأمـة، حتى كنت تحسـب أن العرب لولاهم كانوا قادرين على محو إسرائيل من الوجود، ورد عليهم الآخرون باتهامهم بالتخلي عن ثوابت الامة، و«بالإلحاد» أحياناً، وبأنهم قمعيون ديكتاتوريون دمويون، وبأنهم عملاء.
اختـرع بعـض الحكام العرب جامعـة الدول العربيـة عام 1945، ولم يكن بـإمكانهـم أن يجعـلوهـا أفضل، والسـوق الأوروبية المشـتركة - ومن بعـدها الاتحاد الاوروبي - نتاج لمنظمة بسيطة هي «اتحـاد منتجي الحديد والصلب» أما السوق نفسها فـقد أنشأتها سـت دول هي «فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبلجيكا وهولندا ولوكسمبورغ» عام 1958، وكان من أهم عوامل هذا النجاح أن كل دولة تحترم الدولة الاخرى، وأن الجميع متساوون.
أطلـق بوش الصغير مبدأ «من ليس معنا فهـو ضدنا»، ولكننا سـبقناه إلى تطبيق المبدأ على أشـقائـنا، وكل منا يرى نـفـسـه على حـق، ويجب أن يـنـصـاع الجـمـيـع لرأيه، واستعـرضوا تاريخـنا الحديث، ولن تجدوا فيه قضية واحدة أجـمعـت عليها الآراء، واحترم كل منا فيها رأي الآخر. نـتـشـدق بالأخوة ووحـدة الـمصـيـر، وحـتـمـية الـتضامـن، ولكننا نـتـبارى في تسـفـيه آراء الآخريـن، و«نـتحـاور» بلغـة أقرب الى الشـتائم، وقـد ننـتقـل إلى الحوار بالسكاكين والرصاص والقنابل.
ثمة مقولة رائعة للفيلسوف الفرنسي فولتير «1694 ـ 1778م» نرددها جميعاً، ويجعلها بعضنا عنواناً لمقالاتهم، ولكنها كالحلية التي لا تضر ولا تنفع «قد أختلف في الرأي معك، ولكنني على استعداد لأن أبذل حياتي ثمناً لحقك في إبداء رأيك»
copy short url   نسخ
07/12/2020
2566