+ A
A -
رشا عمران
كاتبة سورية
وكأنها أصبحت عادة من قبل الكثير ممن يسمون أنفسهم: (معارضة وطنية داخلية)، أي أولئك المثقفين الذين مازالوا يعيشون في سوريا حتى الآن، أو عادوا إليها بشروط معلنة أو خفية، وكأنها أصبحت عادة لديهم شتم من يسمونهم (معارضة خارحية)، وشتم كل الذين خرجوا من سوريا، من المثقفين والكتاب والفنانين والسياسيين، وتحميلهم مسؤولية ما حصل، وكأن هؤلاء هم من دمروا سوريا، لا النظام السوري بإجرامه الذي لم يعد خافيا على أحد، ولا حلفاؤه من الدول التي تعتبر سوريا مجرد مختبر لأسلحتها وجيشها وميليشياتها وتحالفاتها السياسية، ولا ميليشيات النظام (الطائفية) التي ضمن مرتزقة سوريين وآخرين قادمين من كل حهات الأرض.
يصر هؤلاء في مقالاتهم ومنشوراتهم الفيسبوكية، وفي كل نتاجهم المتعلق بالشأن السوري على تكرار نفس تلك الأسطوانة منذ سنوات، مانحين لأنفسهم حق الاستعلاء الوطني والمزايدة بحب البلد على من اضطرتهم ظروفهم للخروج من سوريا، سواء لأسباب أمنية أو لأسباب شخصية بحتة، وطبعا بسبب وجودهم في سوريا فهم قلما يذكرون النظام بكلمة واحدة، فهم يدركون أنهم إن فعلوا ذلك فعين وسمع الأمن لهم بالمرصاد، ولن تنفعهم وقتها كل كتاباتهم وشتائمهم لما يسمى معارضة الخارج، يكتفون بالحديث عن الاستبداد والدول القمعية بوصفها حالة مجردة وعامة، لا بوصفها تنطبق على نظام الأسد بالتحديد، وهو النظام الذي لا يوجد بكل دول الاستبداد شبيه له، لا في الاجرام ولا في العنف ولا في العمالة ولا في الفساد، وهو الشيء الوحيد الذي يذكره هؤلاء صراحة في كتاباتهم: الفساد، الذي حكى عنه حتى رامي مخلوف أول وأهم المستفيدين من الفساد السياسي والاقتصادي في سوريا، والذي تعتبر سطوته في سوريا إحدى أسباب الثورة في عام 2011.
دعونا نفترض حسن النية عند هؤلاء المعارضين الوطنيين في الداخل السوري، ولنعترف لهم بما يحبون نسبه إلى أنفسهم: (المعارضة الوطنية الديمقراطية)، باعتبار أن من هم في الخارج، حسب رأيهم، خصوصا من ينتمون إلى اليسار السوري، تحولوا إلى ليبراليين غربيين، (تحديدا الليبرالية الأميركية)، بكل ما تشكله من خصومة لليسار العالمي الذي مازال يعتقد بوجود قطبين متصارعين في العالم، القطب الرأسمالي ممثلا بالولايات المتحدة الأميركية، والقطب الاشتراكي الذي تمثله حاليا، بالنسبة لهم، الدول ذات الأنظمة الشمولية سواء في الشرق الأوسط أو في أميركا اللاتينية، بعد سقوط الاتحاد السوفياتي وانفراط عقد دوله، لنفترض أن كل من خرج من سوريا من المؤيدين للثورة من المثقفين والسياسيين قد باعوا أنفسهم فعلا، أو على الأقل نسوا قضية الثورة وتحولوا إلى ثوار فيسبوكيين، واليساريين منهم تحولوا إلى (يسار النصرة) كما درجت تسميتهم على لسان (معارضي الداخل) في إشارة إلى تأييدهم للفصائل الإسلامية المسلحة، فما الذي فعلته المعارضة الوطنية الديمقراطية في الداخل من أجل الثورة؟! ما الذي فعلته من أجل ملف واحد فقط من الملفات العديدة المتعلقة بالثورة السورية وبالشعب السوري وبالسياسة والنظام في سوريا، ما الذي يمنع هذه المعارضة من تجميع جهودها في الداخل وتشكيل نواة للتغيير السلمي الذي حلم به ملايين السوريين؟! هل استطاع هؤلاء منع اعتقال أحد؟ هل استطاع أحد منهم تقديم أي شيء بشأن مئات آلاف المعتقلين في سجون الأسد أو غيره؟
ليس خافيا على أحد الوضع المزري لهيئات المعارضة السياسية في الخارج، وليس خضوع هذه المعارضة لأجندات خارجية لا علاقة لها بسوريا أيضا بخاف على أحد، ولا حتى متاجرتها بالقضية وبملف المعتقلين وملف المهجرين وبالدستور وبكل ما يتعلق بسوريا بخاف على أحد، لقد أظهر فساد هذه المعارضة كل العفن الذي كان يختزن داخل المجتمع السوري، وبات واضحا أن الغالبية العظمى من هيئات المعارضة هذه مستفيدة من الوضع السوري على ماهو عليه الآن.
ليس كل ما سبق خافيا على أحد، لكن هذا الحال هو حال المعارضة السياسية، وحال المشتغلين في الشأن السياسي اللوجستي، وهؤلاء متهمون من قبل غالبية المثقفين السوريين المؤيدين للثورة في الخارج، والذين مثلهم مثل المثقفين في الداخل، لا يمكنهم فعل شيء أكثر من كتابة المقالات أو المنشورات الفيسبوكية، الفرق فقط أن من هم في الخارج يملكون ترف الحديث عن النظام السوري وحلفائه بالاسم، ويقدر معظمهم تجنب من في الداخل هذا الحديث خشية على حياتهم، لكن على من في الداخل من المعارضة الوطنية الديمقراطية الكف عن هذا الاستعلاء والمزايدة الوطنية علينا، نحن من في الخارج، أو فعل شيء يثبت لنا جميعا أنهم محقون بكل ما يقولونه عنا.
copy short url   نسخ
17/11/2020
2349