+ A
A -
اشترى النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم فرساً من أعرابي، ولم يكن يحملُ مالاً، فطلبَ منه أن يتبعه بالفرس حتى يُحضر له المال، فأسرعَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم إلى بيته وأبطأ الأعرابي، فكان بعضُ الناس يسألون عن سعر الفرس ولا يعلمون أن النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قد اشتراه، ولما دُفِع للأعرابي سعرٌ أعلى من الذي اتفقَ عليه مع النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فنادى على النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ليُخيره بين أن يدفعَ حسب السعر الجديد أو يبيعه لغيره!
فقال له النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: أوليسَ قد ابتعته منكَ؟
فقال الأعرابي: لا واللهِ ما بعتك إياه!
فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: بلى، قد ابتعته منكَ!
فاجتمع َالناس ينظرون هذا الجدال، وقال الأعرابي: هل من شاهدٍ يشهدُ أني قد بعتكَ إياه!
فقال خُزيمة بن ثابت: أنا أشهدُ أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قد اشتراه!
ولم يكن خُزيمة شاهداً على البيع
فقال له النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم قولةَ المُستغرب: بِمَ تشهد؟
فقال: بتصديقك يا رسول الله، أأصدقك في خبر السَّماء وأكذبك في خبر الأرض؟!
فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: شهادة خُزيمة بشهادة رجلين!
وعندما جُمعَ المُصحفُ في عهد أبي بكر، كان زيد بن ثابت لا يكتب الآية إلا بشهادة رجلين سمعاها من فم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وعندما وصلَ إلى سورة الأحزاب علمَ أن هناك آية سمعها من النبيِّ ولكنه نسيها، فجاء خُزيمة وقال له: الآية هي «من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه»، فقال زيد: شهادة خُزيمة بشهادة رجلين كما قال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم وكتبها في المصحف، ونحن نتلوها إلى يوم القيامة!
أمرنا الله سبحانه أن نكتب العقود حفظاً وضماناً للحقوق، حق المشتري وحق البائع، حق الدائن وحق المدين، حق العامل وحق رب العمل، ولكن علينا أن نعلم أن الإنسان الذي لا تربطه كلمته لن يربطه شيء!
يحسبُ الناس أن الدنيا شطارة، وأن جمع المال عبقرية بغض النظر عن الوسيلة التي نسلكها لذلك، تماماً كالأعرابي الذي تراجع في بيعه، وحنث بصفقة تمّت بعد أن وجدَ من يدفع له سعراً أعلى، يغفلُ الناسُ أن الحلال نهاية المطاف يذهبُ فكيف بالحرام، ثم إن هناك شيئا اسمه البركة نزعه الله من كل مالٍ جُمع بالحلف الكاذب، والغدر، وإخلاف الوعد، ثم بعد هذا هناك موت وآخرة وحساب، فلننتبه!
بقلم: أدهم شرقاوي
copy short url   نسخ
29/10/2020
5250