+ A
A -
إنَّ المعلومات التي تتناقَلُها وسائِل الإعلام تلعَبُ دورًا رئيسيًا في تكوين انطباعات الجمهور ومعارفه؛ وبالتالي تؤدِّي بِهِ إلى انتقائِها وتصنِيفِها بعد استعراضها شخصيًا ومُناقشتها مع الآخرين، ومن ثمَّ تكوين صور ذهنية (نمطيَّة) تُؤثر على آرائه وسلوكياته المستقبلية. فوسائل الإعلام التقليدية والجديدة تتميَّزُ بتأثيرها الكبير على جُمهور المتلقين؛ فهي التي تصنعُ آراء ومواقف الأفراد والجماعات والحكومات، كما أنَّها تُسَهِّل على الجمهور عملية تشكيل تصوُّر شامل للعالم الذي يحيا بِه، وفي هذا يرى عالم الاتصال الأميركي، وِلبَر شِرام، أنَّ حوالي 70 % من الصُّوَر التي يُشَكِلُها الإنسان لعالَمِه تكون مستمَدَّة من وسائل الإعلام الجماهيرية.
اليوم تُنفِق الدول العُظمى ملايين الدولارات للهيمنة على وسائل الإعلام الكبيرة في الشرق والغرب؛ وذلك بهدَف التحَكُّم في معتقدات ومواقف الجماهير، فهذه الدوَل تُدرك تمامًا ما لهذه الوسائل من قُدرة كبيرة في بناء الصُّور الذهنية أو النمطية لدى الأفراد، وبالتالي قدرتها على التأثير والتوجيه والتعبئة المباشرة.
إنَّ وسائل الإعلام الغربية شنَّت حربًا ضروسًا على الإسلام والمسلمين؛ حيثُ رسَمَت هذه الوسائل العالمية التي يتعرّض لها ملايين الجماهير في مختلف أصقاعِ العالم؛ صورًا ذهنية غير مُنصِفَة ومتحيِّزة، هدفَت إلى تشييد ثقافة عالمية جمعية تُعادي الإسلام والمسلمين، فكُل ما يُنشر في هذه الوسائل لا يتِمُّ عن نَقص معلومات أو سُوء فَهِم للواقِع الإسلامي، بل هو تحيُّزٌ وتَحامُلٌ يُركّز على مفهوم الحَرب بين الغرب والإسلام. يقول المستشرق الهولندي كريستيان سنوك هورغرونيه، الذي أقام في مدينة مكة سنين وعرف الإسلام عن قُرب: «إنَّهُ يجب على الدول الاستعمارية ألّا تُسهِّل على المسلمين تطبيق دينهم على الأوضاع العصرية، وتلائم بين شرعهم وبين المدنية الأوروبية، فهذا الأسلوب يزيدهم تمسكًا بشريعتهم ويُعليها في نظرهم، على حينِ يَلزمنا إسقاطها؛ لذا يجب على الحكومات الغربية التي استولَت على بلاد الإسلام أن تجتهد في إظهار التناقض بين الإسلام والمدنية العصرية، وإقناع ناشئة المسلمين بأنهما ضِدان لا يجتمعان، ولا بدَّ من رفع أحدهما، ولما كانت المدنية الحاضرة هي نظامُ كلِ شيءٍ اليوم، كان من البديهي أنَّ الذي سيرتفع من النقيضين هو الإسلام».
قارئي الكريم، لقد اختلف الباحثون والدارسون في تحديد الأسباب التي تجعَلُ الإعلام الغربي يواصل إعادة إنتاج الصور الذهنية المنمَّطَة المتحاملة على الإسلام والمسلمين، والسعِي لترسِيخِها في الوعِي الجَمعِي أو في الوعِي الإسلامي الداخِلِي، فبعضهم يرى أنَّ التراث الغربي الذي يزخَرُ بالعداء المتراكِم عبرَ العصور للإسلام والمسلمين هو الذي يدفعُ هذه الوسائل إلى اتخاذ المزيد من المواقف السلبية الموجهة، ويرى البعض الآخر أنَّ مصدر تشويه الغرب لصورة الإسلام والمسلمين هو النمَط المُحَدَد للمعرفة الذي تمتَدّ جُذوره إلى عداءٍ دينيٍ وعِرقي تجاه هذا الدين ومنتسبيه.
وبِحَسَب كتاب (المخادعون) لعالم الاتصال الأميركي الدكتور جاك شاهين، الذي قامَ بدراسة وتحليل 900 فيلم سينمائي أميركي، أُنتِجَت بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2011م؛ توصَّل إلى استنتاج أنَّ المسلمين في وسائل الإعلام الغربية يُصوَّرون تِبعًا لأكثر التصنيفات الذهنية خُشونةً وسلبية، وانتهى إلى أنَّهم يُقَسَّمون وفقًا لمضمون هذه الأفلام إلى أربعة تقسيمات، هي: شيوخ نفط مُترَفون، إرهابيون؛ قاذِفو قنابِل، تُجَّار جَشِعون، أشرار ذَوُو أُنوف معقوفة.
وفي مقابِل هذه الحرب الضروس، تتمثَّل قضايا وهُموم الإعلام الإسلامِي في ثورة المعلُومات والتكنولوجيا والغَزو الثقافي والحَرب النفسيَّة والإعلامية المُوجهَة ضِدَّ الإسلام والمسلمين، والتي تستدعِي أن يقُوم الإعلام الإسلامِي بوسائِلِهِ التقليديَّة والجديدة؛ بدور المواجهة الحربيَّة من خِلال عَكِس القِيَم الدينيَّة والرُوحيَّة والصُورة الصَحِيحَة للإسلام والمسلمين، فهي حربٌ تحتاجُ إلى مواجهةٍ مدروسة ومخططٍ لها بعُمقٍ ومنهجيَّة، فوسائل الإعلام الإسلامي التقليدية والجديدة لن تستطيع الصمود الفعلي دون ذلك، خاصةً وأنَّ الإعلام الغربي أقوى منها حاليًا في العُدَّةِ والخُطَّة والأدوات.
إنَّ هدف تصويب الصورة المُعتّمَة والمُشوَهَة للإسلام والمسلمين؛ مُهِمَّةٌ يجِب ألّا تقَع على عاتق القائمين على وسائل الإعلام الإسلاميَّة والدوليَّة، فهي مُهمَّة يجب أن يشترك في أدائها الجميع، فالمسلم؛ رجُلاً كان أو امرأة، يجب عليهِ أن يكُفَّ من التجنِّي على الإسلام؛ وذلك من خلال ما يقوم بِهِ من ممارسات حياتيَّة خاطِئة باسم الدين، لأنه بذلك يسهَمَ في تكريس الصورة النمطية السلبية عنه، سواءً حدَثَ ذلك بوعيٍ منهُ أو بغيرِ وَعي، وعليه الالتزام بما فرضَهُ الشارع - سبحانه وتعالى عليه- قولًا وعملًا، وفِكرًا وسلوكًا؛ وبالنتيجة سيتمّ التحوُّل من أن نكون موطِنا لِقِيَم وثقافة الحضارَة الغربيَّة، إلى موقِف تصدِير قِيمنا وثقافتنا وأخلاقياتنا الإسلاميَّة الساميّة، وما تُمثِّلهُ من استقامَةٍ وصَلاحٍ للإنسانيَّة، وذلك استجابة لقولِهِ تعالى في سورة آل عمران: «وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ»، كما أنَّهُ يجِب على المرأة المُسلمة التي استهدفها المشروع الإعلامي الغربي بشكلٍ خاص؛ باعتبارها النَواة الرئيسيَّة في تغيير المجتمعات المسلمة؛ أن تُثَقِّف نفسها دينيًا وتربويًا واجتماعيًا وإعلاميًا، وأن تنفِض عنها الجَهل بحُقوقها وواجباتها التي جاءت في الإسلام، كما يجب على مراكز البحوث ومؤسسات التكوين والتعليم العالمية أن تقوم بصياغة مناهج وبرامج ودراسات تُنصِف الإسلام والمُسلمين، كما أنَّ العُلماء ورِجال الفكر المسلمين ينبغِي عليهم أن ينشُرُوا فكرًا توعويًا يُظهر صورة الإسلام الحقيقيَّة عقيدة وحضارة وثقافة وشعوبًا وحكومات، والتأكيد على أنَّهُ دينُ تقدُّمٍ وتحضُّر لا دين تخَلُّفٍ وصِراعٍ وعُنف.
قارئي العزيز، إنَّ تصحيح الصورة التي شوهها الغرب عنِ الإسلام دينـًا وأتباعًا تحتاجُ إلى طُولِ نَفَس وتضافُر مختلف الجهود لأجل إعداد الطاقات والمواد الإعلامية الإسلامية إعدادًا مُخططًا ومتكاملًا، فإنَّهُ كُلما قُمنا بتقديم المَزيد من الصُّورة الصحيحة الواضحة الناصِعَة للإسلام وما يجب أن يكون عليه المسلمُون؛ كُلما أدَّى بنا ذلِك إلى مزيدٍ من الدعوة إلى الإسلام الذي جاءَ هداية ورحمةً وبُشرى للعالمين.
copy short url   نسخ
24/10/2020
2376