+ A
A -
رشا عمران
كاتبة سورية
كما العادة، ومنذ تسع سنوات، مع حلول موعد جائزة نوبل للآداب (نالتها لدورة هذا العام الشاعرة الأميركية لويز غليك)، تعود سيرة الشاعر السوري اللبناني الفرنسي (أدونيس) إلى الواجهة، باعتباره، مرشحا دائما لنوبل، رغم أنه لا يوجد في جائزة نوبل ما يمكن أن نطلق عليه صفة مرشح دائم، ولا توجد قائمة للترشيحات تضعها لجنة الجائزة علنا ويتم الاختيار منها، ما يحدث أن ثمة مؤسسات وأفرادا يرشحون أسماء معينة كل عام للجنة، ويتم الاختيار منها، دون أن يظهر ذلك للعموم، بل يبقى ضمن دائرة اللجنة والجائزة فقط، في حين تتم ترشيحات افتراضية من قبل الصحفيين والمهتمين حول العالم لمجموعة من الأسماء الأدبية لمن يرون أنها تستحق نوبل، وقد يصدف أن يأتي الاسم الفائز من ضمنها، ولكن، حصل مرات عديدة أن كان الفائز بنوبل للآداب خارج كل التوقعات والرغبات، مثلما حصل في دورة عام 2016 حين فاز كاتب الأغاني والمغني الأميركي المعروف بوب ديلان بالجائزة، وهو ما شكل صدمة كبيرة يومها للصحافة الأدبية حول العالم، فبوب ديلان مغني (كاونتري)، حتى كلمات أغانية لا تصنف كشعر في مقاييس شعراء العالم، هو كاتب أغنية خفيفة فقط، مبررات اللجنة لمنحه الجائزة جاءت وقتها من مكان آخر مختلف عن مقاييس الشعر، من مكانة تأثيره موسيقيا على أجيال عديدة، وتربية الذائقة الفنية والشعرية لهذه الأجيال عبر كلمات اغنياته وموسيقاه.
وبالعودة إلى أدونيس، فهو مصنف واحد من أهم شعراء العالم المعاصرين، وكتبه ترجمت إلى مختلف لغات العالم، وثمة شوارع كبيرة سميت باسمه في عواصم عالمية كثيرة، هذا طبعا عدا عن آلاف الشهادات الجامعية التي كتبت عن تجربته الشعرية، وآلاف المقالات ومئات الكتب عنه، يشكل أدونيس فعلا ظاهرة ثقافية عالمية، سواء في الشعر أو في الترجمات أو في التنظير الفكري والشعري، أو في المخزون الشعري العربي القديم والتراث الذي دونه أدونيس في كتب مختلفة، معتزا به من جهة كونه المنبع الأول لثقافته، وناقدا له من جهة ثانية كونه يرى أن الثقافة العربية وقفت عند التراث ولم تستطع التطور والتفاعل مع الحضارة العالمية الجديدة، وهذا الأمر الذي جعل كارهي أدونيس يساوون محبيه في العدد وفي التناول الدائم له، وللحق فإن هذا الجدل الدائم حوله يجعله دائم الحضور في الواجهة الثقافية العربية، كون الخلاف حوله هو عربي محض، بينما مكانته في الغرب كما هي: أحد أهم شعراء العالم والذين يستحقون نوبل بجدارة.
غير أن للعرب وللسوريين تحديدا، رأيا آخر بما يخص أدونيس ونوبل، إذ يقول هؤلاء إن أدونيس الذي قضى حياته يحلم بنوبل لن ينالها، بسبب موقفه المعادي للثورة السورية، وإذا ما نالها أخيرا فسوف يتضح للجميع ان العالم كله يقف ضد الثورة السورية، يحاكم هؤلاء نوبل وأدونيس بناء على الموقف من الثورة السورية، هل هم مخطئون؟! حتما لا، هم محقون في ذلك تماما، فالموقف من شعب تعرض لكل أنواع الإجرام لمجرد أنه طالب بتغيير نظامه السياسي، هو موقف أخلاقي أولا، وموقف ثقافي ثانيا، قبل أن يكون سياسيا، فالثقافة ضد الثبات بالمطلق، وهو أساسا ما أثاره أدونيس في كتابه المثير للجدل (الثابت والمتحول)، فكيف إذا يقف ضد محاولة تغيير شعبية لنظام سياسي؟! هذا نوع من الفصام الذي يصيب مثقفين ومفكرين حين يدخلون في الشيخوخة، لا العمرية فقط بل الفكرية، حيث تقف الرؤية لديهم في جهة واحدة عاجزة عن التلفت إلى باقي الجهات، كما لو أنها عضلة تضمر نتيجة التقدم في السن، ولكن هل بعض السوريين محقون في كمية الشتائم التي يطلقونها كل عام مع موعد جائزة نوبل ضد أدونيس، أتحدث هنا عن مثقفين وكتاب، لا عن (فيالق من حمقى الفيسبوك) حسب وصف أمبرتو إيكو، حتما لا، فأولا: القول إن أدونيس طائفي وأن موقفه من الثورة السورية هو نابع من خوف أقلوي طائفي فهو فيه الكثير من الإجحاف بحق أدونيس الذي يأخذ عليه كثيرون تحميل الأديان كلها مسؤولية خراب البشرية.
ثانيا، كان ينبغي مناقشة أدونيس في رأيه عن التنوير والتغيير المجتمعي الذي طالب به قبل السياسي أسوة بالثورة الفرنسية، هنا القضية الأساسية التي كان يمكن لمثقفين سوريين مناقشتها مع أدونيس وغيره من أصحاب هذه الرؤية البعيدة عن واقع بلادنا وثوراتنا، أما الشتائم والسخرية ونسف تاريخ مثقف كبير مثل أدونيس فهي دلالة على هزيمة رؤيوية كبيرة لا تختلف أبدا، في الواقع عن هزيمة أدونيس في فهمه لما يحصل.
copy short url   نسخ
20/10/2020
2451