+ A
A -
بقلم آمنة العبيدلي
لا تدع قطر مؤتمرا أو محفلا دوليا إلا وتؤكد فيه على دورها الإنساني ورسالتها النبيلة التي تنشد الاستقرار والأمن والسلام للبشرية جمعاء، وهذا ما اتضح جليا في كلمة «تميم المجد» حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى حفظه الله ورعاه أمام الدورة الخامسة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، لم تتمحور كلمة سمو الأمير حول قضايا المحلية وحسب بل امتدت إلى كل القضايا التي تشغل حكومات وشعوب العالم، مستعرضا فيه التحديات والطرق والوسائل الفاعلة لمواجهتها والتخلص من النزاعات.
تعلم الدنيا كلها، وتعلم الجمعية العامة للأمم المتحدة أن جوهر الصراع في منطقة الشرق الأوسط هو احتلال إسرائيل للأرض العربية وعدم انصياعها للقرارات الدولية، وعدم التعامل بإيجابية مع أية مبادرات تسعى لحل هذه القضية، لذلك وضع سمو الأمير العالم كله أمام مسؤولياته فيما يتعلق بهذه القضية قائلا: «هناك إجماع دولي على عدالة قضية فلسطين، ورغم هذا الإجماع يقف المجتمع الدولي عاجزا ولا يتخذ أية خطوات فعالة في مواجهة التعنت الإسرائيلي، والاستمرار في احتلال الأراضي الفلسطينية والعربية، وفرض حصار خانق على قطاع غزة، والتوسع المستمر في سياسة الاستيطان، وذلك في انتهاك فاضح لقرارات الشرعية الدولية، وحل الدولتين الذي تَوَافق عليه المجتمع الدولي».
وحتى لا يكون الحديث حول حل قضية فلسطين باعتبارها أعدل قضية في التاريخ حديثا تقليديا للاستهلاك الإعلامي فقط كما تعود الجميع على مر سنوات عدة دعا سموه حفظه الله ورعاه بل شدَّد على ضرورة إنهاء الاحتلال خلال مدة زمنية محددة، وإقامة دولة فلسطين المستقلة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لجميع الأراضي العربية المحتلة. نعم هذا هو الصح وهذا ما يجب أن يعكف العرب والمجتمع الدولي عليه وهو تحديد جدول زمني لانسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة وإقامة دولة فلسطين، مؤكدا أن السلام العادل والمنشود لا يمكن تحقيقه إلا من خلال التزام إسرائيل التام بمرجعيات وقرارات الشرعية الدولية، والتي قبلها العرب، وتقوم عليها مبادرة السلام العربية.
الكرة الآن في ملعب الجمعية العامة للأمم المتحدة والمجتمع الدولي والدول العربية في المقدمة، لأنه يقينا إذا انحلت قضية فلسطين حلا عادلا سيكون الطريق ممهدا أمام القضاء على الأزمات الدولية لأن هذه القضية ألقت بظلالها القاتمة على كل مكان في هذا العالم، فلم تعد هناك أرض محتلة اليوم على هذا الكوكب إلا أرض فلسطين.
كان من الطبيعي أن يكون من أولويات حديث سمو الأمير التطرق إلى الحصار الجائر المفروض على الشعب القطري من دول شقيقة لم تعد غائبة عن أحد هي المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين وجمهورية مصر العربية، مؤكدا من جديد موقف قطر الثابت حيال هذه الأزمة التي افتعلها الأشقاء دون داع أو دواع، اللهم إلا بناء على قرصنة مشينة واتهامات مفبركة لا أساس لها من الصحة، لم يستطيعوا إثباتها أو إقناع العالم بها حتى الآن.
لقد أعلن سموه على رؤوس الأشهاد كيفية حل هذه الأزمة قائلا: «إن الحوار غير المشروط القائم على المصالح المشتركة واحترام سيادة الدول هو السبيل لحل هذه الأزمة، التي بدأت بحصار غير مشروع، ويبدأ حلها برفع هذا الحصار». وهذا هو موقف قطر الثابت منذ اللحظات الأولى من بداية الأزمة ولن يتغير رغم مرور أكثر من ثلاث سنوات على بدء هذا الحصار.
حتى الآن لم نفهم لماذا لم تقتنع الدول الشقيقة بأن سياسة التبعية ليست موجودة في قاموس السياسة القطري، بل لم تعد موجودة أيضا في قاموس السياسة الدولية، فالوضع الجديد الذي يشهده العالم أصبح يقيم الدول بناء على دورها الذي تؤديه، وهذا التقييم يضع قطر في صدارة الدول التي تؤدي دورا إيجابيا من أجل خدمة الإنسانية، فقدمت هذا العام رغم أزمة كورونا التي كانت معظم الدول تقول خلالها «نفسي نفسي» مساعدات مالية وعينية إلى أكثر من خمسين دولة ومنطقة حول العالم، مساعدات ساهمت في الحد من الفقر والمرض والجهل.
وبمناسبة الحديث عن كورونا ولأن الشيء بالشيء يذكر، فقدم أكد سمو الأمير على ضرورة التعاون والتكاتف وتوحيد الجهود من أجل مكافحة هذا الفيروس قائلا: «التعاون المتعدد الأطراف هو السبيل الوحيد لمواجهة تحديات الأوبئة والمناخ والبيئة عموما، وحبذا لو نتذكر ذلك أيضا عند التعامل مع قضايا الفقر والحرب والسلم، وتحقيق أهدافنا المشتركة في الأمن والاستقرار».
المتأمل في كلمة قطر هذه لا يجد عناء في الوقوف على أننا نتحلى بالقيم النبيلة والأخلاق الرفيعة التي تتمثل في حب الخير للجميع، وترجمة هذا الحب إلى فعل، لأننا بلد الأفعال قبل الأقوال، إذ لا توجد دولة قدمت مساعدات للآخرين بحجم ما قدمت قطر، ولا توجد دولة يؤرقها ضحايا الحروب في اليمن وسوريا وليبيا مثل قطر، ولا توجد دولة راعت وأشرفت على اتفاقيات سلام بين الأطراف المتنازعة وتكللت جهودها بالنجاح مثل قطر، وليس ببعيد النجاح الذي حققته خلال جهود الوساطة لتوقيع اتفاق السلام بين الولايات المتحدة وحركة طالبان بالدوحة في 29 فبراير (شباط) الماضي، كما تمكنت من إنجاح عملية تبادل الأسرى بين حكومة أفغانستان وطالبان من خلال مناقشات الدوحة الشهر الماضي.
الحديث عن كلمة سمو الأمير يطول لكن يكفينا أن العالم كله استمع إليها بإنصات، ويكفينا القول إن الكلمة الآن لدى الجمعية العامة للأمم المتحدة تعتبر أفضل خريطة طريق لحل أزمات العالم وتحقيق الرفاهية والسلام للجميع.. فهل من مجيب ؟ !!.
copy short url   نسخ
29/09/2020
2504