+ A
A -
نــزار عــابــديــن
كاتب سوري
تمر اليوم ذكرى حدثيـن مهمين في النصـف الثاني من القرن العشـرين حدثا في اليوم نفسه 28 سـبتمبر: الأول انفصال سورية عن الجمهورية العربية المتحدة 1961 وانهـيـار أول وآخر تجربة وحدوية عربية في العصر الحديث منذ أيام محمد علي في أوائل القرن التاسع عشـر، والثاني وفـاة الزعيم جـمال عبد الناصر 1970 عن اثنين وخمسـين عاماً فـقد ولد عام 1918. وعندما نكتب عن ناصر وتجربة الوحدة نلاقي صعوبات شتى.
يفهم بعض الأصدقاء أننا انضممنا إلى أعداء الزعيم الكثيرين، ولكن هذا أبعد ما يكون عن الحقيقة والواقـع. لسـت من أعـداء الزعـيم بحيث لا أرى له حسـنة تـذكر، ولكنني لسـت من أنصاره المتعـلقـين به «عاطفياً» فيرونه منزهـاً عن كل انتقاد وخالياً من كل عيب، فلا عـصمة إلا للأنبياء. وقد قلت مراراً: إذا كان رب العزة والجلالة قد أفهمنا أن حـسـنات المرء توضع في كفة ميزان، وتوضع في الأخرى سيئاته، فمن رجحت كفة حسناته كان من الفائزين، ومن رجحت كفة سيئاته كان من الخاسـرين، فإن هـذا يعـني أن لكل إنســان حسـنات وسـيئات. وإذا كان الخالـق العادل وهو سبحانه العدل المطلق، يحـاسـب بهذه الطريقـة، فكيف تعطون لأنفسكم الحق بأن تحكموا على إنسان بأنه خير مطلق أو شر مطلق؟
كانت أخطاء الزعـيم كبيرة لأن أفعاله كانت كبـيرة، ولأن مشـروعـه كان كبيـراً. لم يكن يحلم لمصر وحدها بل للأمة العربية كلها. تخلى عن الديمقراطية لأنه رآها تعرقـل البناء، كان لديه مشـروعات اقتصادية وعسـكرية وصناعية وزراعية وثـقافية وتعليمية جبارة، وأن عليه أن ينجـز للشـعب والأمة ما وعد به، ولعل خطأه الأكبر أنه اعتمد على مجموعة صغيرة من «أهل الثـقة» لم يكونوا أهلاً للثقة ولا لتحمل المسؤولية، ولم يستطيعوا الارتقاء إلى مستوى طموحاته، ولم يكونوا في مثل طهارة يده. تعب كثيراً، ومات صغيراً نسبياً، ويذكرني ببيت للمتنبي:
وإذا كانتِ النفوسُ كباراً
تعِبت في مُرادها الأَجسامُ
ابتعـد الزعـيم عن الشـعب الحقيقي ولم يشـركه في تـقرير مصيره، ألغى الأحزاب (ولا أظننا سنختلف في أن تجربة الاتحاد القومي والاتحاد الاشتراكي تعبر عن وجود أحزاب) مع أن هـذا الشـعب أثبـت أنه مع الزعيم، وأنه أهل للثقة، بدليل خروج مئات الآلاف إلى الشوارع يرفضون اسـتقالة الزعيم في أعقاب هزيمة 1967، وخروج أعداد أكبر لوداعه في جنازة غير مسبوقة. لم يكن عبد الناصر نبياً ولا شيطاناً، والخطأ خطأ أنصاره الذين لم يصوغوا تطلعاته في منهج علمي محدد، ويجمعوا الشعب حولهم، ليتابعوا مسيرته، والدليل أنهم لم يشكلوا قوة انتخابية في مصر
copy short url   نسخ
28/09/2020
3490