+ A
A -
ذات يوم من الأيام، بينما يستعدُّ الربيع لفتح حقائبه الخضراء، في الوقت الذي كان «ستيف» مدير شركة بيبسي التنفيذي يشرب القهوة الصباحية داخل مكتبه، وهو يحملق من خلال النافذة يغمره إحساس بالسعادة لرؤية الحديقة الخضراء الزاهية، التي تمتد على رقعة واسعة من فناء الشركة، رنَّ الهاتف مخترقاً حالة الهدوء والسكينة التي كانت تتملَّكه.
فتساءل في قرارة نفسه حينها: تراه من يتصل في هذه الساعة المبكرة من الصباح؟
وعندما رفع ستيف سماعة الهاتف ليجيب على الاتصال، سمع صوت رجل لم يكن يتخيل في حياته يوماً أنه من الممكن أن يتصل به، إذ كان المدير التنفيذي لشركة كوكا كولا، العدو اللدود والمنافس الأكبر!
والذي ألقى التحية على ستيف بعبارات ودودة وكلمات محمَّلة بالمودة والاحترام، ثم شكره على موقفه الإنساني تجاه شركته والخدمة الجليلة التي قدمها له في وقت سابق، فارتسمت معالم الدهشة على محيّا ستيف، بعد أن عجز عن تذكر تلك الحادثة التي أخبره الرجل حولها شاكراً!
فطلب من مدير كوكا كولا التنفيذي أن يوضح أكثر، فقام الآخر بإخباره أنه في إحدى المناسبات تم إرسال ملفات على درجة عالية من السرية من طرف شركة كوكا كولا بالخطأ إلى شركة بيبسي، غير أن موظفي بيبسي قاموا بإعادة الملفات دون أن يطَّلعوا عليها، وأنه متأكد أن هذا التصرف الرائع لا يمكن أن يصدر إلَّا بتوجيه من ستيف، الذي كان بالفعل يجهل أي شيء عن الأمر!
بعد انتهاء المكالمة، قام ستيف بالاتصال بالقسم المسؤول مستفسراً عن الموقف الذي حدث، فأخبره مدير القسم أن الملفات بالفعل تم إرسالها بالخطأ إلى شركة بيبسي، لكنه والموظفة التي استلمت تلك الملفات قاما بإعادتها إلى الشركة المنافسة دون أن يطَّلعا عليها، ولم يعلم بالأمر سواهما!
سُعد ستيف بما جرى كثيراً، وكانت تلك المكالمة أكثر حدث وإنجاز بقي حاضراً في ذاكرته حتى بعد استقالته، فحينما كان أحد ما يسأله حول أعظم إنجازاته على الصعيد المهني، كان يفاخر بتلك الحادثة، ويباهي أمام الجميع بالموقف النبيل الذي جرى قائلاً: «إن أعظم إنجازاتي على الإطلاق هو أنني نجحت في زرع القيم السّامية فيمن حولي».
إن المال يأتي ويذهب، والمناصب تجيء وتروح، والصحة ننعم بها يوماً وتغادرنا أياماً، أما الذي يبقى على الدوام هو العمل الصالح والمواقف الإنسانية والرسالة التي نعقد العزم على تحقيقها، وأهدافنا السّامية تجاه أنفسنا والعالم من حولنا. فشتان بين رجل يعيش لنفسه وآخر يحيا لنفسه والآخرين، من كل همّه جمع المال، ومن همّه الأكبر هو مساعدة الناس من حوله وترك بصمة في التاريخ، وتقديم إسهامات جليلة تبقى حاضرة في حياة الأجيال اللاحقة.
لذلك لا غرابة أن يشعر «ستيف» بالفخر لذلك الموقف الذي قد يبدو بسيطاً للبعض، لكنه يحمل أهمية كبيرة لمن يدركون أهمية القيم والأخلاق العالية حتى بين المنافسين، فإن تنافسا لا يعني أن تستخدم وسائل رخيصة للتغلب على منافسيك وتعاملهم كخصوم ينبغي القضاء عليهم، فالإنسان الشريف ينافس الآخرين بعرق جبينه وذكائه لا بالدناءة والاستغلال واقتناص الفرص على حسابهم. يقول المثل: «الغاية تبرر الوسيلة»، ويا له من مثل شنيع ولا أخلاقي، فالصحيح أن يُقال: «الوسيلة تبرر الغاية»، فإذا كنت تستخدم وسائل أخلاقية إنسانية فلا بد أن غايتك نبيلة، والعكس صحيح، لذلك إذا أردت أن تحقق غاية نبيلة فعليك أن تستعين لتحقيقها باستراتيجيات مشروعة ووسائل نبيلة، عندها سيكون لغايتك معنى وقيمة حقيقية، وستظفر في نهاية المطاف بسعادة لا تعادلها سعادة، ونجاح لا يفوقه نجاح.
copy short url   نسخ
02/09/2020
2769