+ A
A -
لم تكن الشابة الصغيرة التي لعبت أدوارا صغيرة درامية في نادي سبورتينغ في الإسكندرية تدرك أنها سوف تصبح ذات يوم إحدى نجمات الكوميديا العربية بلا منازع، وأنها سوف تقدم على المسرح وفي السينما أدوارا كوميدية لا تناسب غيرها، ولا يمكن لأية ممثلة أخرى أن تؤديها، كانت شويكار إبراهيم طوب صقال، القادمة من أصول تركية وشركسية تتمتع بجمال خاص وصارخ ومختلف، فهي بيضاء البشرة نظرا لأصول والدتها الشركسية، تمتلك جسدا شرقي الخطوط، خصر نحيل وأوراك عريضة، ورثتها من اختلاط عرق والدها التركي بالمصري، ولديها وجه واضح الملامح جدا، عينان واسعتان وفم ممتلئ، ولديها موهبة وحب للتمثيل، أي كل ما يؤهلها لتكون نجمة سينمائية، في ذلك الزمن، حيث شرط الدراسة الأكاديمية لم يكن مطلوبا لمن يريد خوض مجال التمثيل، كان الأهم هو الشكل الخاص والاستثنائي، بغض النظر عن معايير جمالية موضوعة مسبقا، والموهبة، ومخرج صاحب رؤية، وصاحب نظرة قادرة على اكتشاف الموهبة الحقيقية من بين العشرات، وهذا ما حصل مع شويكار حين رآها المخرج المبدع فطين عبد الوهاب، صاحب العدد الكبير من أهم أفلام الكوميديا في السينما المصرية والعربية بطبيعة الحال، في نادري سبورتينغ، وعرض عليها أن تعمل معه في السينما، حيث أدت أول أدوارها في فيلم الزوجة 13، مع رشدي أباظة وشادية، لتتعرف بعدها على فؤاد المهندس وتشكل معه ثنائيا في الحياة والمسرح والسينما قلما وجد مثله في فن التمثيل العربي، ورغم أن الاثنين صرحا في حوارات لهما، أن كليهما، حين تعرفا ببعضهما، كان يفكر بقدرة الآخر على إضحاك الجمهور، إلا أن خفة الدم الطبيعية الخالية من الإفيهات المفتعلة في الصوت والحركة وتعابير الوجه، كانت ركيزة الاثنين معا، فالاثنان يمتلكان شكلا جميلا، وليسا مضطرين للاتكاء على شكل كوميدي لا في الوجه ولا في الجسد، كانت خفة دمهما جزءا من شخصيتيهما، لهذا نجحا معا في المسرح والسينما، وأمتعا الجمهور إلى درجة كبيرة في كل ما قدماه له.
لم تحصر شويكار نفسها في أدوار الكوميديا، رغم أنها اشتهرت بها، بل قدمت في السينما أدوارا استعراضية كانت تغني وترقص فيها بخفة ورشاقة شديدة، تجعلنا نقول إن شويكار تصلح لأن تكون ممثلة استعراضية بحق، كما قدمت أدوارا درامية ومركبة في عدة أفلام لها، لم تكن هي البطلة فيها لكنها كانت أدوارا لا تنسى، كفيلم دائرة الانتقام وفيلم حديث المدينة، وفيلم كشف المستور، وفيلم بحر الأوهام والباب المفتوح والاخوة الأعداء والنداهة، وغيرها الكثير التي قبلت شويكار ان تلعب فيها أدوارا ثانية رغم أنها كانت نجمة شباك وبطلة مطلقة في أفلامها الكوميدية مع فؤاد المهندس، إلا أنها، وحسب رأيي، كانت تريد أن تثبت أنها قادرة على لعب كل الأدوار، فكانت تقبل الدور الثاني إلى جانب بطلات، لم يكن أكثر أهمية وتنوعا منها، إلا إذا استثنينا شادية، المختلفة جدا، أو بعد أن تقدم بها العمر قليلا، والسينما تحتاج دائما إلى البطلة الشابة الجميلة، السينما العربية تحديدا، التي ظلمت الكثير من الممثلات المهمات بعد أن تقدم بهن العمر، مما جعل بعضهن يلجأن إلى عمليات التجميل، بعد انتشارها، للمحافظة على بعض ملامح الصبا، لكن الأمر تحول إلى هوس لدى بعضهن أدى إلى تشويه أشكالهن بدلا من تحسينها، وهو ما تعففت شويكار عنه، إذ في آخر ظهور لها، في مشاركة في عزاء قبل سنتين، بدت بملامحها نفسها، مكتفية ببعض الرتوش البسيطة حول عينيها وفمها دون أن يغير ذلك من شكل وجهها، ودون أن تستبدل ملامحها الجميلة بأخرى مشوهة.
رحلت شويكار، السيدة الجميلة، قبل أيام عن هذا العالم، رحلت بسبب الشيخوخة، لا نتيجة الإصابة بكورونا، ومع ذلك، خفف وجود كورونا من عدد المشاركين في جنازتها، وأظن أن هذا لم يكن ليسبب لها الحزن، فهي عاشت حياة بسيطة رغم أنها استمرت في التمثيل لأكثر من ستين عاما متواصلة في المسرح والسينما دون أن تبتذل نفسها لا في الفن ولا في الحياة، ودون أن تضع حياتها الشخصية في مهب الصحافة الفنية والصفراء، ظلت السيدة الجميلة محترمة حتى نهاية حياتها، وظلت تعتبر الفن قيمة كبيرة لا يمكن للمجتمعات أن تتطور دون وجوده، ولا يجوز اعتباره عارا أو ذنبا يستحق التوبة عنه، كما فعلت كثيرات من زميلاتها في الوسط الفني العربي.
تستحق شويكار، لو كنا في زمن آخر ومكان آخر، أن تكون جنازتها جنازة إحدى القيم الوطنية الكبيرة، لكنني أثق أن الزمن سوف ينصفها ذات يوم كما تستحق فعلا: ممثلة عظيمة ومتنوعة، وسيدة جميلة وراقية ومحترمة، حافظت حتى نهاية حياتها على قيم الفن والجمال والاحترام.بقلم: رشا عمران
لم تحصر شويكار نفسها في أدوار الكوميديا، رغم أنها اشتهرت بها، بل قدمت في السينما أدوارا استعراضية كانت تغني وترقص فيها بخفة ورشاقة شديدة، تجعلنا نقول إن شويكار تصلح لأن تكون ممثلة استعراضية بحق، كما قدمت أدوارا درامية ومركبة في عدة أفلام لها، لم تكن هي البطلة فيها لكنها كانت أدوارا لا تنسى، كفيلم دائرة الانتقام وفيلم حديث المدينة، وفيلم كشف المستور، وفيلم بحر الأوهام والباب المفتوح والاخوة الأعداء والنداهة، وغيرها الكثير التي قبلت شويكار ان تلعب فيها أدوارا ثانية رغم أنها كانت نجمة شباك وبطلة مطلقة في أفلامها الكوميدية مع فؤاد المهندس، إلا أنها، وحسب رأيي، كانت تريد أن تثبت أنها قادرة على لعب كل الأدوار، فكانت تقبل الدور الثاني إلى جانب بطلات، لم يكن أكثر أهمية وتنوعا منها، إلا إذا استثنينا شادية، المختلفة جدا، أو بعد أن تقدم بها العمر قليلا، والسينما تحتاج دائما إلى البطلة الشابة الجميلة، السينما العربية تحديدا، التي ظلمت الكثير من الممثلات المهمات بعد أن تقدم بهن العمر، مما جعل بعضهن يلجأن إلى عمليات التجميل، بعد انتشارها، للمحافظة على بعض ملامح الصبا، لكن الأمر تحول إلى هوس لدى بعضهن أدى إلى تشويه أشكالهن بدلا من تحسينها، وهو ما تعففت شويكار عنه، إذ في آخر ظهور لها، في مشاركة في عزاء قبل سنتين، بدت بملامحها نفسها، مكتفية ببعض الرتوش البسيطة حول عينيها وفمها دون أن يغير ذلك من شكل وجهها، ودون أن تستبدل ملامحها الجميلة بأخرى مشوهة.
رحلت شويكار، السيدة الجميلة، قبل أيام عن هذا العالم، رحلت بسبب الشيخوخة، لا نتيجة الإصابة بكورونا، ومع ذلك، خفف وجود كورونا من عدد المشاركين في جنازتها، وأظن أن هذا لم يكن ليسبب لها الحزن، فهي عاشت حياة بسيطة رغم أنها استمرت في التمثيل لأكثر من ستين عاما متواصلة في المسرح والسينما دون أن تبتذل نفسها لا في الفن ولا في الحياة، ودون أن تضع حياتها الشخصية في مهب الصحافة الفنية والصفراء، ظلت السيدة الجميلة محترمة حتى نهاية حياتها، وظلت تعتبر الفن قيمة كبيرة لا يمكن للمجتمعات أن تتطور دون وجوده، ولا يجوز اعتباره عارا أو ذنبا يستحق التوبة عنه، كما فعلت كثيرات من زميلاتها في الوسط الفني العربي.
تستحق شويكار، لو كنا في زمن آخر ومكان آخر، أن تكون جنازتها جنازة إحدى القيم الوطنية الكبيرة، لكنني أثق أن الزمن سوف ينصفها ذات يوم كما تستحق فعلا: ممثلة عظيمة ومتنوعة، وسيدة جميلة وراقية ومحترمة، حافظت حتى نهاية حياتها على قيم الفن والجمال والاحترام.بقلم: رشا عمران