+ A
A -
نزار عابدين
كاتب سوري
من حق المبدعين علينا أن نحتفي بهم ونحيي ذكراهم إذا تركوا دنيانا، لا أن نتركهم للنسيان، فهم النخبة وعصارة عبقرية الأمة، ومن الندرة بحيث إن الأمة قد تحتاج سنوات طويلة جداً لتعوض من نفقد منهم.
تحل بعد أيام الذكرى الثالثة والثلاثون لرحيل المبدع ناجي العلي، إذ انتقلت روحه إلى بارئها في 29 /8 /1987 بعد أن ظل في المستشفى إثر إطلاق الرصاص وإصابته في أحد شوارع لندن في 22 / 7 / 1987، وظل ثمانية وثلاثين يوماً يصارع الموت، حتى انتصر الموت في النهاية، وذهب ناجي العلي للقاء ربه. وما زال المجرمون طلقاء، ولم يكشف سر الجريمة، من هؤلاء القتلة؟ أهم من عملاء الموساد؟ ليس هذا غريباً عليهم، ولكن إسرائيل كانت ستتباهى بأنها أسكتت هذا المناضل، هل كانوا تابعين لأحد الأنظمة العربية التي أزعجتها رسوم ناجي العلي؟ ليس السؤال مستبعداً، لأن كثيراً من الأنظمة العربية لا تجيد الحوار إلا بهذه الطريقة، السكين مقابل الكلمة، والرصاصة مقابل الفكرة، هل كانوا من التنظيمات الفلسطينية؟ السؤال مطروح، فقد ورثت تنظيمات كثيرة العقلية التآمرية من الأنظمة العربية، لا أحد يريد لهذا السر أن يكشف، فقد تصيب الشظايا أسماء كبيرة في عالم السياسة العربية، ولكن ناجي العلي ما زال من خلال «حنظلة» أكثر حياة من الأحياء، وتلك هي سمة الأدباء والشعراء والفنانين الكبار، يموت الجسد، وتبقى الأفكار، هل انتصر ديكتاتور إسبانيا حين قتل الشاعر الإسباني الشهير فيدريكو جارثيا لوركا؟
وبعد أيام أيضاً تحل الذكرى الرابعة عشرة لرحيل أديب الرواية العربية نجيب محفوظ، ولكنه كان قد تعرض لمحاولة اغتيال عام 1995 حين تلقى طعنة في عنقه من شابين قررا اغتياله، لاتهامه بالكفر والخروج عن الملة بسبب روايته المثيرة للجدل، ولم يكونا قد قرآها. كان للمحاولة تأثيرٌ سلبي على عمله، فلم يكن قادراً على الكتابة، وفيما بعد أُعدم الشابان المشتركان في محاولة الاغتيال رغم تعليقه بأنه غير حاقدٍ على من حاول قتله، وأنه يتمنى لو أنهما لم يُعدما.
هو العربي الوحيد الذي نال جائزة نوبل باستحقاق. وعندما طلب مني أن أقول كلمة بمناسبة وفاته كتبت «كلنا خرجنا من حارة نجيب» ولم أكن أشير إلى روايته المثيرة للجدل «أولاد حارتنا» وحدها، بل كنت أشير إلى زقاق المدق وخان الخليلي والسكرية وقصر الشوق وبين القصرين وغيرها، وما من كاتب قصة أو روائي عربي لم يتأثر بنجيب محفوظ قليلاً أو كثيراً، وإن اختط لنفسه أسلوباً مغايراً، فهل حظي ويحظى أبو الرواية العربية الحديثة بالاهتمام الذي يستحقه؟
copy short url   نسخ
24/08/2020
1934