+ A
A -
بقلم آمنة العبيدلي
ها هي قطر كما عهدتموها دائما سندا وظهرا لأشقائها في الأزمات، وعونا لهم في الحوادث، ومن هذا المنطلق كانت الأسرع في مد يد العون والمساعدة للأشقاء في لبنان فور حدوث كارثة الانفجار الذي وقع في مرفأ لبنان، وخلف عشرات الشهداء وآلاف المصابين، وحوّل أحياء كاملة من بيروت الجميلة إلى ركام النظر إليها يدمي القلب.
قطر الكبيرة بأميرها وشعبها أكدت من خلال كلمة لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى حفظه الله ورعاه، في كلمته أمام مؤتمر دعم لبنان الافتراضي الذي دعت له فرنسا الأحد، أنها لم تتوان عن تقديم المساعدات المالية والعينية للشعب اللبناني الشقيق فور وقوع الكارثة، ووعدت بدور مشهود في الإعمار مثمنة انعقاد «مؤتمر الدعم الدولي لبيروت وللشعب اللبناني» وليس هذا منَّة أو تفضلا بل هو واجب الشقيق تجاه شقيقه، وتحرك يفرضه الواجب، فلبنان طالما تحمل الكثير من أجل المصلحة العربية والإنسانية، وقدم في سبيل قضايانا المصيرية كل ما هو غال ونفيس، وقطر الحبيبة قطعت على نفسها الوعد وأخذت على نفسها العهد أن تظل قوة للخير والسلام للعالم أجمع، وبالتأكيد من باب الأخوة في العروبة سيكون لشعب لبنان الشقيق أولوية كبرى.
قطر الكبيرة بأميرها وشعبها تقف اليوم إلى جانب شعب لبنان الحبيب، تتألم بآلامه، وتشعر بأوجاعه، وتحزن لأحزانه، وسوف تكون خير معين له على الخروج من هذه الأزمة كلها أمل وعمل وطموحات ووقتها ستفرح لأفراحه وتشاركه آماله وتطلعاته في العودة إلى مساره الطبيعي الذي عرفناه عنه على مدى التاريخ الإنساني.
قطر الكبيرة بأميرها وشعبها تمسح دموع اللبنانيين وتقول لهم: لستم وحدكم في هذه الكارثة، مصابكم هو مصابنا، نحن معكم، يدنا بيدكم، نشد من أذركم، وعما قريب ينقشع ظلام الكارثة، ويطلع فجركم، وتشرق شمسكم، نعم ستشرق من جديد شمسكم وتنير الدنيا وتملؤها ثقافة وأدبا، يعود هدير المطابع وشنشنة أوراق البنكنوت في البنوك ويتعافى اقتصادكم.
قطر الكبيرة بأميرها وشعبها تقف مع لبنان ذلك البلد المشبع بروائح التاريخ الزكية التي تشهد عليها جبال بعلبك الشامخة، وشجر الأرز الضارب بأصله في أعماق التاريخ، في هواها يسكن السلام، وفي بيوتها يغفو الأمل، ويصحو كل يوم ليعلن إشراقة شمس الحياة من جديد، وفي تفاصيلها يقطن الجمال الخالد الذي لن يموت، هذا هو ما يليق ببلد أنجب إيليا أبو ماضي وجبران خليل جبران وخليل مطران والأخطل الصغير بشارة الخوري والرحابنة وقيثارة الغناء فيروز وعملاق الطرب وديع الصافي ومئات الأسماء من الوجوه الحضارية التي لا يتسع المقام لسردها.
طليعة قيمة المساعدات العاجلة التي قدمتها وتقدمها قطر خلال الأيام الماضية بتوجيهات من «تميم المجد» بلغت 50 مليون دولار، فضلا عن وصول مستشفيين ميدانيين مجهزين بالكامل لعلاج المصابين، بعد الانفجار الضخم الذي يعتبر أقوى انفجار غير نووي عرفته البشرية، ومساهمة قطر في إعادة إعمار بيروت ودعم لبنان سيعلن عنها في برنامج خلال الأيام القليلة القادمة، وبإذن الله ستقر بها عيون الأشقاء في لبنان.
بقيت كلمة أرى أنه لا خير فيَّ إن لم أقلها: ألم يأن للدول العربية الآن أن ترتقي فوق خلافاتها، وتدرك أن خريطة الأزمات في منطقتنا العربية قد أصبحت عميقة للغاية، وتتوسع وتتعمق وتتمدد بشكل يثير القلق من المستقبل؟ لماذا لا نعتبر هذا الحادث الأليم الذي وقع في لبنان مدعاة لأن نتكاتف جميعا في وجه التحديات الجسام ونعزز الجهود للتصدي لهذه الأزمات وتطويق آثارها؟
مع كل الشكر والتقدير للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على دعوته لمؤتمر مساعدة لبنان، كان من الأوجه أن تبادر بهذه الدعوة دولة عربية أو الدول العربية مجتمعة لنؤكد للعالم أن الوطن العربي بإمكانه النهوض من جديد ووقوفه في وجه التحديات وقدرته على تخطي العقبات، فهذه المهمة -كما تبدو- صعبة إلا أنها باتت ضرورية للغاية، فالمعضلة تبقى في تصاعد حجم الاستهداف لهذه المنطقة العربية، ولبنان كان وسيظل أحد أهداف هؤلاء الطامعين، ما يملي ضرورة حصوله على دعم عربي جماعي يسهم في إنقاذه من أزمته بل أزماته الراهنة.
ودعوني أختم بما قاله جبران خليل جبران عن بيروت:
ماذا نتكّلم يا بيروت.
وفي عينيك خلاصة حزن البشرية.
وعلى خديك المحترقين.. رماد الحرب الأهلية.
ماذا نتكلّم يا مروحة الصيف، ويا وردته الجورية؟
من كان يفكر أن نتلاقى -يا بيروت- وأنت خرابْ؟
من كان يفكر أن تنمو للوردة آلاف الأنياب؟
من كان يفكرُ أنّ العين تقاتل في يومٍ ضد الأهداب؟
ماذا نتكلَّم يا لؤلؤتي؟
copy short url   نسخ
11/08/2020
2662