+ A
A -
لم تخل حياتي، منذ غادرت سوريا وعشت في مصر عام 2012، من الإحساس الخفي والواضح بالذنب، أنني نجوت بنفسي من الحرب والدمار والموت والاعتقال، وأنني أعيش حياة طبيعية إلى حد ما، لا أعاني من الحصار، ولا من انقطاع الكهرباء، ولا من شح المياه، ولا من ضعف في الشبكة الالكترونية، ولا من أصوات القصف، ولا من رائحة الموت والدم في كل مكان، ولا من الخوف من الموت العبثي نتيجة الفوضى، ولا أعاني من معظم ما يعانيه السوريون في سوريا، معاناتي هنا مختلفة، أعتبرها، إلى حد ما، نوعا من الترف قياسا بمعاناة السوريين في الداخل، ورغم أنني أعيش في بلد عربي، حيث لا ضمان لاستمرار عيشي فيه ولا شيخوخة مؤمنة، ولا ضمان صحي، وحيث الخوف من انقطاع سبل العيش وبالتالي فقدان الأمان والمسكن والحياة الكريمة التي تحفظ كينونة امرأة في سني، ومع ذلك ظل شعور الذنب، بسبب النجاة، يلاحقني حتى الآن، وما زلت حتى اللحظة أصمت خجلا كلما كتب أحد في سوريا عما يعانيه السوريون في الداخل، وأتحاشى الكتابة عن هواجسي ومخاوفي كي لا أبدو متنمرة ومتعالية عن المأساة الحقيقية للسوريين، وأكاد أجزم أن غالبية السوريين الذين خرجوا من سوريا باكرا، يتنازعهم الإحساس بالذنب ذاته تجاه من بقي في سوريا، نتيجة نجاتهم وحياتهم الآمنة والمستقرة إلى حد ما.
غير أن ثمة ما يثير الحنق أحيانا، إذ أن مظلومية السوريين الذين لم يغادروا سوريا، تصبح نوعا من المزايدة في أحيان كثيرة، فهذه المظلومية يحمل أصحابها سوريي الخارج مسؤولية ما حدث في سوريا، أي أنهم يعتبرون الخروج من سوريا هو تخل عن الثورة، وبالتالي ترك سوريا وثورتها (للأوغاد) هذه الشتيمة التي سرعان ما توجه لسوريي الخارج ليصبحوا هم (الأوغاد) المتخلين عن الثورة، وطبعا الحديث هنا كله، من مثقفين إلى مثقفين، أقصد أن من يحمل هذه المظلومية هم مثقفون سوريون يعيشون في الداخل، تجاه مثقفين سوريين اختاروا النجاة بحياتهم لأن أغلبهم كان معرضا للخطر فعلا لا ادعاء، أو أن بعضهم فضل أن يبتعد بأبنائه خارج دائرة الموت والخطر، وهذا حق تكفله شريعة حقوق الإنسان، ولا يجوز لأحد التعدي عليه أو اتهام من اختار ذلك، كما أن البطولة والشجاعة لا يملكها الجميع بنفس المستوى، فإذا كان أحد شجاعا للبقاء في سوريا رغم كل ما يحصل فيها، فإنني، شخصيا، لا أمتلك هذه الشجاعة، ولا أحب أدوار البطولة، أنا أفضل العيش بأمان، بعيدا عن الخطر.
بقلم: رشا عمران
copy short url   نسخ
11/08/2020
1891