+ A
A -
لعل كل واحد منا مرّ بتجارب كثيرة مؤلمة ومحزنة حتى البكاء، لكنها مضحكة في الوقت نفسه. ونردد كثيراً «ولكنه ضحك كالبكاء» وهو من بيت لشاعر العربية العظيم أبي الطيب المتنبي
وماذا بمصر من المضحكات
ولـكنـــّه ضــحــكٌ كالـبــكـــا
وكان في سوريا صحيفة أسبوعية واسعة الانتشار اسمها «المضحك المبكي»، وقد كتب فيها كبار أدباء سورية وصحفييها وشعرائها في زمانها، وكانت تتضمن نقداً لاذعاً للأحوال السياسية والاقتصادية والاجتماعية مما «يبكي» ولكن بأسلوب ساخر يضحك القارئ. وقد قلدها قبل سنوات رسام الكاريكاتير العربي السوري الشهير علي فرزات فأصدر صحيفة أسبوعية باسم «الدومري» والدومري هو الشخص المكلف بإشعال القناديل في الشوارع قبل انتشار الكهرباء. لكنها توقفت لأسباب لا مجال الآن لمناقشتها.
ولم يلجأ عبد الله النديم عام 1891 بعد الاحتلال الإنجليزي المباشر لمصر، إلى التناقض بين «المضحك» و«المبكي» بل لجأ إلى السجع بين «التنكيت» وهو مصطلح عامي يعني إلقاء النكت أو النكات بقصد الضحك البريء، وأحياناً السخرية، و«التبكيت» وتعني في المعجم من ضمن ما تعني «التقريع والتوبيخ».
ضحك كالبكاء.. وفرح كالحزن.. وانشراح كانقباض.. وسعادة كتعاسة.. وسرور كالغمّ والهمّ. هذا ما يمكن أن نصف به أحوال أمتنا في تاريخها الحديث، بل يمكن أن نصف به ما يجري في العالم كله، وكأن العالم بهلوان في سيرك يقف على رأسه.
ألا ينطبق وصف «المضحك المبكي» على ادعاءات الولايات المتحدة حماية حقوق الإنسان والديمقراطية عندما نعرف ما فعلت وتفعل في العراق وأفغانستان، وتغض الطرف عما تفعله إسرائيل، بل ما تفعله في بلادها نفسها؟ ألا ينطبق على ما تقوله الحكومات العربية عن الوحدة والتضامن وما تفعله الحكومات نفسها؟ ألا ينطبق على ادعاءات الحكومات العربية حول حقوق الإنسان وما تطبقه على أرض الواقع؟ ألا ينطبق على كثير مما يحدث على الأرض العربية من العراق إلى موريتانيا؟ ألا ينطبق على ما تتشدق به حكومات الدنيا كلها من حرصها على «حرية التعبير» إلى درجة الإساءة إلى الأديان والانبياء، ثم تحاكم الناس إذا شككوا بأسطورة الهولوكوست وتسجنهم؟ ألا يضحك ويبكي أن الولايات المتحدة تنتقد الإنفاق العسكري في دول أخرى بينما يبلغ الإنفاق الأميركي 596 بليون دولار ويعادل ما تنفقه دول العالم مجتمعة؟ ألا ينطبق على أن إسرائيل تمتلك 200 رأس نووي، بينما تعاقب إيران لأنها «قد» تنتج قنبلة نووية؟
استعرضوا مواقف الدول، وما تقرؤون وما تسمعون، وأحوال البشرية ومترفيها وجياعها وأقويائها وضعفائها، وستجدون أننا قد يضحك منا مراقب مفترض من خارج الكرة الأرضية، ولكنه «ضحك كالبكاء».
بقلم: نزار عابدين
copy short url   نسخ
03/08/2020
2535