+ A
A -


أكتب من الرياض حيث كان لي شرف متابعة كلمة حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى من القاعة التي شهدت الجلسة الافتتاحية للدورة السادسة والثلاثين للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية في الرياض.

وكعادة خطابات سموه.. جاءت كلمته أمس شاملة وواضحة.. مستعرضا جميع الملفات بمواقف، عنوانها: الالتزام بالمبادئ والثبات.

حيث وضع سموه العرب والمجتمع الدولي، أمام مسؤولياتهم التاريخية، في مواجهة ظروف دقيقة ومتغيرات متسارعة، مما يستدعي مضاعفة الجهود وتوحيد الصفوف لمواجهتها والحد من تداعياتها، حيث الإرهاب من أخطر التحديات التي تواجه عالمنا المعاصر، وتهدد الأمن والسلم الدوليين، دون أن يغفل سموه، ضرورة معالجة جذور هذه الآفة التي تتغذى على العنف، الذي يتعرض له الناس في ظروف من اليأس وانعدام المخارج وفقدان الأمل بالإصلاح بالطرق السلمية، وحيث القضية الفلسطينية تراوح مكانها دون حل، بعد أن باتت رهينة للسياسات الإسرائيلية العنصرية، ما يمكن أن يقود إلى نتائج كارثية على منطقة الشرق الأوسط والعالم بأسره، وحيث الأزمة السورية تتجاوز في تداعياتها الحدود السورية والإقليمية لتهدد الأمن والاستقرار في العالم، الأمر الذي يستدعي اتخاذ كافة التدابير والإجراءات التي تحقن دماء السوريين وتخفف معاناتهم، والسعي الجاد إلى تنفيذ مقررات جنيف (1) التي تلبي تطلعات الشعب السوري وآماله وتحفظ كرامة المواطنين وحقهم في ممارسة إرادتهم الحرة لتحديد مستقبل بلدهم دون قسر أو إكراه من قوة محلية أو إقليمية أو دولية، كما أوضح سمو الأمير المفدى، الذي أكد أيضا على أن أمن العراق واستقراره ووحدته الوطنية وسلامة أراضيه، أمور بالغة الأهمية في دول مجلس التعاون ولأمتنا العربية بشكل عام، لذلك جاءت دعوة سموه إلى دعمه ومساندته في حربه على الإرهاب، مع تأكيد سموه على أن تكريس الاستقرار رهن بتجاوز الطائفية السياسية والحالة الميليشياوية، وإرساء أسس الدولة الوطنية القائمة على المواطنة المتساوية للعراقيين جميعا بغض النظر عن انتماءاتهم الطائفية والدينية والقومية.

كما تناول سموه الشأن الليبي، حيث عبر عن الأمل في أن يتمكن الأشقاء في ليبيا من تجاوز الصعوبات الراهنة، وتحقيق المصالحة الوطنية الشاملة، والمضي في عملية سياسية، تحقق الوحدة والاستقرار، واستتباب الأمن للشعب الليبي الشقيق.

أما بالنسبة لمسيرة مجلس التعاون، فقد أوضح سموه أن ما حققته مسيرة مجلسنا من إنجازات، على الرغم من أهميتها، إلا أن تطلعات شعوبنا أكبر مما تحقق، لذلك فإننا مطالبون بمضاعفة الجهد، من أجل تحقيق تلك التطلعات، إذ لا تنقصنا الإمكانات ولا القدرات.

كانت هذه هي خلاصة خطاب سمو أمير البلاد المفدى، التي أكدت مرة أخرى ثبات قطر في مواقفها، وفي مبادئها، وهي مواقف لقيت صداها في كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، الذي أعرب عن بالغ الشكر والتقدير لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، على ما بذله من جهود موفقة خلال رئاسته للمجلس الأعلى في دورته السابقة، لتعزيز المسيرة المباركة لمجلس التعاون، والتي لقيت صداها أيضا في كلمة الأمين العام لمجلس التعاون، ولدى الإعلاميين الذين التقيتهم في نهاية الجلسة الافتتاحية، والذين عبروا عن تقدير بالغ لما ورد على لسان سمو الأمير، باعتباره جاء معبرا عن مكنونات الجميع دون استثناء، في ظرف بالغ الخطورة، تمر به أمتنا العربية بأسرها.

كلمة سمو الأمير جاءت بما أردنا جميعا أن نقوله، ونعبر عنه، ونبوح به، وهو لم يكتف بسرد الوقائع، وتوصيف المشكلات، وإنما قدم، عبر رؤية عميقة، ما يجب أن نقوم به في سبيل التصدي للتحديات ومواجهتها أيضا، من هنا كان التقدير العميق من جانب كل من التقيت به، ومن جانب كل الذين ناقشوا وحللوا ما ورد فيها، وهو تقدير يعود لثبات قطر على مواقفها، وإيمانها العميق بقضايا أمتها، وحق الشعوب العربية في غد أفضل يزيح عن كاهلها ما يعصف بها اليوم، حيث تنعقد القمة السادسة والثلاثون لقادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وسط تحديات سياسية واقتصادية وأمنية غير مسبوقة، منذ أن تم الإعلان عن قيام هذا الكيان في مايو «1981».

وإن قيام هذا التكتل بين دولنا الست يعود إلى توافر مقومات وخصائص مشتركة محفزة للتكامل، بسبب تماثل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بين دولنا، بالإضافة إلى الاضطرابات الإقليمية والدولية التي بلورت فكرة الأمن الجماعي الخليجي لمواجهة كل المتغيرات والمخاطر التي تحدث على الساحة بدفاع مشترك موحد.

لا يمكن الحديث إذا عن عامل محدد واحد أدى إلى قيام هذا الكيان، بقدر ما هي مجموعة عوامل يتداخل فيها السياسي بالاقتصادي والاجتماعي، ومع أن الظروف تغيرت إلا أن التحديات استمرت، وإن كانت أخذت أبعادا أخرى مختلفة، تبعا للتطورات الإقليمية والدولية التي شهدتها الفترات التي أعقبت التأسيس.

المتأمل في المشهد السياسي الراهن، في عالمنا العربي، سوف يخلص سريعا إلى أن هذا الكيان ساهم إلى درجة كبيرة جدا في حماية الأمن الخليجي، عبر التأكيد على أن هذا الأمن هو جزء من الأمن القومي العربي، ومكّن دولنا الست من مجابهة تحديات في غاية الخطورة، واليوم يتأكد كل ذلك ونحن نعيش وسط تحديات لا تخفى على أحد، ما يستدعي تحقيق أعلى درجات التنسيق، ليس على الصعيد السياسي فحسب، لكن أيضا على كافة الصعد الأخرى، ومن ذلك دفع التعاون الاقتصادي إلى مدى أوسع وأكثر عمقا وتأثيرا، عبر استكمال دراسات تعميق التكامل الاقتصادي، والمضي في دعم لجنة المسؤولين عن مبادرات رواد الأعمال والابتكار للمشاريع الصغيرة والمتوسطة بدول المجلس، وتعزيز النمو في القطاعات غير النفطية، وتشجيع القطاع الخاص على المساهمة بقوة في المشاريع التنموية ومختلف الأنشطة الاقتصادية غير النفطية، وإنجاز مشروع السكة الحديدية في الوقت المحدد «2018»، واتخاذ ما يلزم لتذليل العقبات التي قد تواجه المشروع، الذي يكتسب أهمية استثنائية في وقتنا الحاضر، والمضي في إجراءات الاتحاد الجمركي، والذي كان أحد مخرجات قمة الدوحة.

لا يوجد اليوم مشروع صغير أو كبير، بقدر ما نحتاج إلى العمل عبر جميع القنوات من أجل ترجمة الأهداف إلى وقائع على الأرض، وصولا إلى تكامل حقيقي هو درعنا المتين لمواجهة التحديات، وهي كبيرة وتحتاج إلى جهود دؤوبة على أكثر من صعيد، ونخص بالذكر منها مشروع السكة الحديدية، الذي يكتسب أهمية خاصة لأكثر من اعتبار، وعلى أكثر من صعيد.

يجب دعم مشروع الاقتصاد المعرفي والبحث المستمر عن المواهب ودعمهم وتكريم المبدعين وتقدير كل من يساهم في تطور بلاده والمنطقة بشكل عام، فمثل هذا التوجه يخلق جيلا جديدا من المميزين في مختلف المجالات.

ولا شك أن تكريم سمو الأمير المفدى للمتميزين خليجيا مؤخرا يحمل الكثير من الدلالات، وفي مقدمتها حرص سموه على دعم الإبداع وتقدير الأعمال التي تسهم في خدمة مجلس التعاون الخليجي، وكان لهذه المبادرة أكبر الأثر وأسمى التقدير لدى المكرمين ولدى الخليجيين، كما كان لها صدى في كلمة الأمين العام لدول مجلس التعاون معالي عبداللطيف الزياني، الذي حرص على تضمينها خطابه أمس، تعبيرا عن تقدير الأمانة العامة لهذه اللفتة الكريمة من سموه.

في الجانب السياسي فإن هناك «6» قضايا أساسية هي: العلاقات الخليجية المشتركة، الوضع في اليمن، الموقف السوري، القضية الفلسطينية، العلاقات مع إيران، والملف الليبي، سوف تكون محل اهتمام بالغ نظرا لتأثيراتها على مجمل المنطقة، ونحن على يقين بأن قادتنا سوف يعطونها ما تستحقه من اهتمام، وما نأمله أن تخرج القمة من «رياض الحزم» بتكاتف وعزم على مواجهة وكسب كل التحديات في القضايا العالقة والراهنة..

ونحن على ثقة من ذلك، بإذن الله.

بقلم : رئيس التحرير محمد المري

copy short url   نسخ
10/12/2015
2560