+ A
A -
أنا من أشد المؤمنين بضرورة إحداث ثورة في مناهج التعليم في الخليج بمختلف مستوياته كي تستجيب هذه المناهج لمتطلبات العصر وتتخلص من كل ما لم يعد له ضرورة، ويثقل كاهل التلميذ المتلقي. لذا دعوت في كل محاضراتي إلى الاقتباس من النموذج الآسيوي، وخصوصا في ما يتعلق بإضفاء القدسية على التعليم، بمعنى تنشئة الطفل على مبدأ أن التعليم والتفوق فيه أمر مقدس وأن أي إهمال أو تقصير فيه هو بمثابة خيانة عظمى للوطن والمجتمع والأسرة، وبالتالي التخلص إلى الأبد من الفكرة التقليدية المنطوية على أن التعليم مجرد وسيلة للحصول على وظيفة ودخل يؤمنان لصاحبه منزلا وسيارة وزوجة.
غير أن الثورة التي نطالب بها في المناهج التعليمية وأسلوب التعليم لن تفضي إلى نتائج إيجابية ما لم نعد الوسيلة الناقلة للمعلومة (المعلم) إعدادا جيدا ومحكما. وبعبارة أخرى فإنه كلما كان المعلم ذا فكر مستنير ومنفتح على ثقافات العالم، وبعيدا عن الأدلجة والتزمت، زادت فرص حصول الطالب على بيئة تعليمية نموذجية يستخدم فيها عقله بحرية، ويطلق فيها العنان لمواهبه في الإبداع والابتكار والإجابة عن الأسئلة الصعبة.
وفي مجال إعداد المعلم للوفاء باحتياجات التعليم العصري الجيد، يمكننا ايضا الاستعانة بالتجربة الآسيوية. فإذا كانت سنغافورة قد بزت دول العالم الأكثر تقدما مثل الولايات المتحدة والبلدان الأوروبية في مجال صياغة أفضل برامج ومقررات المناهج العلمية، وعلى رأسها الرياضيات، فإن الهند برزت في السنوات الأخيرة كأحد أكبر وأفضل الدول المصدرة لمعلمي المدارس والمعاهد والكليات على مستوى العالم.
وهذا البروز الهندي تقف وراءه سياسات وخطط مدروسة هدفها جعل عملية تصدير المعلمين إلى الخارج مصدرا إضافيا لزيادة حصيلة البلاد من النقد الأجنبي. وضمن هذه الخطط تقوم الدولة أولا بالإعلان عمن يريد السفر إلى الخارج للتدريس، ثم تجري له المقابلات الشخصية الطويلة وتدقق في سيرته، ثم تعمد إلى مراقبته عن بعد أثناء تلقيه دورات تدريبية في مدارس نموذجية. وبعد أن تتأكد من صلاحيته وتوفر كافة الشروط فيه ترسله إلى الدول المحتاجة.
هذه الأسباب، وفوقها تفوق الهند في العلوم والرياضيات وتدريس الإنجليزية وعلوم الحاسوب، وسمعة المدارس الهندية في الصرامة المسلكية، وقدرة المدرس الهندي على التكيف مع البيئات الثقافية المتنوعة بسبب قدومة أصلا من بيئة ثقافية واجتماعية ملونة، وما عــُرف عن الإنسان الهندي من أنه ذو طبيعة مسالمة، ولا يتدخل في الشؤون الداخلية للبلاد التي يعمل بها، جعلت الطلب على المعلم الهندي في تزايد مستمر.
وآخر بلدين تقدما بطلب لإعارتهما مدرسين هنودا كانا سنغافورة وماليزيا، وهما بلدان متقدمان على المستوى الآسيوي. كما تقدمت فيتنام بطلب مماثل، من بعد طلبات من الصين وتايلاند وفنلندا وبلجيكا وألمانيا وفرنسا لإرسال معلمين لتدريس اللغة الإنجليزية تحديدا.
لكن ماذا عن بلدان الخليج؟ تشير الأرقام والبيانات الرسمية الهندية أن دول الخليج - ولاسيما قطر ودولة الإمارات العربية المتحدة- هي من ضمن الدول التي تتزايد طلباتها على المعلمين الهنود عاما بعد عام، للعمل في المدارس الخاصة وذلك بسبب انخفاض تكلفة استيراد المعلم الهندي مقارنة بتكلفة استيراد المعلم الأوروبي أو الأميركي. غير أن بعض الدراسات الهندية المنشورة حول تجربة معلمين هنود عملوا في منطقة الخليج تفيد بأن التجربة كانت لها مزايا وعيوب. أما المزايا فقد كانت مالية في المقام الأول، تلتها ميزة سرعة الاندماج في المجتمع وعدم الإحساس بالتغرب. وأما العيوب فقد انحصرت في صعوبة قدرتهم على التكيف مع بيئة تعليمية أقل انضباطا من مستوى الانضباط الذي اعتادوا عليه في مدارس بلادهم.
هناك عيب آخر لابد من الإشارة إليه هو تقليل بعض طلبة المدارس الخليجية الخاصة - بالتضامن مع أولياء أمورهم- من شأن المدرس الهندي.

بقلم : د. عبدالله المدني
copy short url   نسخ
03/07/2016
2189