+ A
A -
قبل أيام قليلة، ومع بدء تنفيذ «قانون قيصر»، وصلت أخبار من سوريا أن النظام السوري طلب من أهالي بلدة (المحجة)، وهي بلدة صغيرة تتبع لمدينة درعا في سهل حوران في الجنوب السوري، أن يراجعوا الجهات المختصة لاستلام متعلقات شخصية وشهادات وفاة العشرات من ابناء البلدة، الذين كانوا معتقلين في سجون النظام، ومعظهم ممن تمت سابقا تسوية أوضاعهم مع النظام ضمن المصالحات التي حدثت، ثم تم خطفهم واعتقالهم والانتقام منهم بهذه الطريقة الوحشية، عشرات الشبان من بلدة صغيرة يتم الابلاغ عن موتهم تحت التعذيب في سجون الطاغية، ويتم إبلاغ أهاليهم بذلك دون أن يرف جفن للنظام، ودون أي إحساس بالخوف من العاقبة، رغم أن هناك فقرة كاملة في قانون قيصر تتعلق بوضع عشرات آلاف المعتقلين والمغيبين في سجون النظام، وتؤكد على وجوب تسوية هذا الملف كخطوة أولى نحو (تحسين سلوك نظام الأسد)، كما صرح مسؤولون أميركيون، وعلى ما يبدو فإن هذا الخطاب الأميركي المتراخي والموارب وصل إلى نظام الأسد كما أريد له أن يصل، فها هو ينهي ملف المعتقلين عبر تصفية من تبقى منهم حيا حتى الآن، بحيث لا يعود هناك مجال لفتح هذا الملف ثانية، إذ مع تصفية المعتقلين يتم تبييض السجون ويتم تبييض صفحة النظام، طالما أن العدالة الدولية لا تريد محاسبة النظام السوري على ما اقترفه من جرائم طيلة ما يقترب من العشر سنوات، منذ بدء الثورة السورية وحتى الآن، وطالما أن التأكيدات الدولية مستمرة على عدم المساس بوجود النظام، ليس كرئيس فقط، وإنما كبنية أمنية كاملة بات واضحا أن لديها الكثير من الملفات الإقليمية والدولية المتكتم عنها، تجعلها مطمئنة لارتكاب جرائمها ضد السوريين دون محاسبة.
والحال، أن قانون قيصر، أو أي قانون مشابه لا يفضي إلى تغيير النظام وبدء عملية انتقال سياسي تحت إشراف دولي، تضمن عودة المهجرين، وتطلق سراح المتبقي من المعتقلين، قبل الفتك بهم جميعا، وتضع بنودا لإعادة الإعمار، ولاستعادة الليرة السورية لقيمتها التي أصبحت ( في الأراضي) على رأي السوريين، ولإعادة ترتيب النظام الأمني بما يضمن مصلحة المواطنين والوطن، ولتشكيل جيش وطني عوضا عن الجيش الميليشياوي الحالي، والبدء بانتخابات نيابية حقيقية، فإن قانون قيصر لن يكون سوى محاولة لذر الرماد في العيون، وسوف ينعكس وبالا على الشعب السوري المنهك أصلا، إذ سوف يتاجر النظام السوري بالعقوبات، وسوف يحيل كل جرائمه الاقتصادية والإنسانية إلى قانون قيصر، الشماعة التي ستتحمل كل ارتكابات النظام وحلفائه، والمشكلة أن قسما كبيرا من مؤيدي النظام يصدق هذا، ويلقي اللوم على قانون قيصر قبل البدء بتنفيذه حتى، متناسيا حتى الفضائح التي ظهرت مؤخرا إلى العلن، والتي كشفت جزءا يسيرا من أن الفساد ونهب البلد واعتبارها مزرعة لآل الأسد وأقاربهم، أتحدث هنا عن الخلاف العلني بين رامي مخلوف وعائلة رئيس النظام السوري، والذي ظهر إلى العلن عبر مجموعة من الفيديوهات التي نشرها رامي مخلوف على صفحته، كما لو أن الخلاف هو خلاف شخصي، لا خلاف على نهب بلد بكامل عراقته مثل سوريا.
ولم يكتف النظام السوري باستقبال قانون قيصر عبر إعلام أهالي المعتقلين بموت أبنائهم تحت التعذيب، وإنما أيضا عمد إلى خطة خطيرة يبدو أنها إحدى الطرق للتهرب من العقوبات الاقتصادية، إذ نشرت السفارات السورية في دول العالم، بيانا تدعو فيه المواطنين السوريين المغتربين إلى المبادرة لدعم سوريي الداخل عبر التبرع إلى رقم حسابات وضعتها السفارة على البيانات تلك، وفي الظاهر قد تبدو هذه الدعوات طيبة النية، لأجل دعم السوريين في سوريا، ولكن أولا: أليس الأجدى أن يعيد ناهبو سوريا والشعب الأموال التي نهبوها إلى السوريين وإلى خزينة الدولة، ولديهم ما يكفي لإنعاش الليرة السورية وإنعاش الاقتصاد السوري بما سينعكس مباشرة لصالح المواطن؟!
وثانيا: ألا تشكل هذه الدعوة طريقة جديدة لإدخال المال إلى النظام السوري بطريقة التفافية على العقوبات الاقتصادية التي فرضها قانون قيصر؟! خصوصا بعد منع النظام عملية التحويل المالي التي كان يقوم بها السوريون في الخارج إلى عائلاتهم في سوريا، ووضعها تحت بند تمويل الإرهاب، وذلك بالتزامن مع الإعلان عن بدء تطبيق قانون قيصر؟!
بقلم: رشا عمران
copy short url   نسخ
23/06/2020
1501