+ A
A -
«لا أملك رغبة فعل أي شيء، حتى لو عادت الحياة طبيعية بعد انتهاء الحظر الصحي، ليست لدي طاقة للعودة إلى ما كانت عليه حياتي، ولست سعيدا بما أنا فيه الآن»، هذه الجملة سمعتها من عشرات الأصدقاء والمعارف الواقعيين والافتراضيين، حين كنت أشكو إليهم حالة الزهد التي أعيش فيها حاليا، وعدم الرغبة بأي شيء، سوى الاهتمام بأحواض الزرع والورد على شرفتي الصغيرة، واللعب مع قطتي، وتجريب وصفات طعام لم أجربها من قبل، ومحاولات شبه فاشلة للتركيز في قراءة كتب على قائمة الانتظار، أو التركيز في متابعة أفلام وثائقية مهمة على شبكة «نتفلكس»، غالبية من أعرفهم يمرون بنفس الحالة بعد ثلاثة أشهر متواصلة من العزلة والحظر، والبعد الاجتماعي الواقعي عن الآخرين، والاكتفاء باللقاءات الافتراضية أو بالمكالمات الهاتفية.
شيء ما تفعله العزلة المفروضة للمعزول، ليس العزلة المختارة، فتلك تحدث نتيجة قرار شخصي، يتحضر الجهاز النفسي البشري مسبقا لخوضها، فلا تترك أثرا كبيرا أو ملحوظا حال انتهائها، ولا يدخل الكائن معها في أسئلة عميقة، بينما العزلة المفروضة، والتي يتشارك فيها الفرد مع البشرية كلها، تحدث تغيرات مهمة في الجهاز العصبي والنفسي، العزلة الصحية تحديدا، التي تفرضها الأوبئة، حتى عزلة السجن مختلفة، سواء أكان انفراديا أم في مهجع جماعي، أظن في السجن أيضا تتوطن النفس على الانتظار، حيث أمل الخروج للقاء الحياة خارج القضبان، الحياة التي تسير كالمعتاد، حيث رغبة احتضان الأحبة وشم روائحهم هي أهم محطات الأمل في حالة الاعتقال. بينما في العزلة الصحية الكونية، ثمة ما هو مختلف، سنخرج من العزلة إلى المجهول، لا ندرك كيف ستكون شكل حياتنا، لا ندري إن كنا سنتمكن من عناق أصدقائنا، من السهر معهم، من احتضانهم في حالات ضعفهم وخوفهم، في حالات احتياجهم لكتف يسندون رؤوسهم المتعبة عليها، كما كان الحال قبل الحظر، لا ندرك كيف ستكون علاقتنا بالحياة عموما، هل سيبقى نفس الحذر والخوف من الآخرين موجودا؟! (حين أضطر هذه الأيام للخروج من المنزل لسبب طارئ، فإنني أتحاشى المرور من جانب أي شخص، أبحث عن المسافات الفارغة في الشارع، وإذا ما عبر أحد من جانبي فإنني أتوتر وأقلق، خصوصا إن كان وجهه بلا قناع، فقد يكون مصابا بالفيروس، وقد ينقله لي، أفترض أيضا أن الآخرين يشعرون تجاهي بنفس الخوف والحذر).
بقلم: رشا عمران
copy short url   نسخ
16/06/2020
1458