+ A
A -
لما كان يوم غزوة حُنين، خصَّ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أُناساً في العطايا أكثر من غيرِهِم، فأعطى الأقرع بن حابس، وعُيينة بن حصن كل واحدٍ منهما مائةً من الإبل، وأعطى بعض أشراف العرب مثل ذلك يُريدُ أن يتألَّفَ قلوبهم لِما لهم من التأثير والمكانة الاجتماعيَّة خدمةً للدعوة.
فقال رجلٌ: واللهِ هذه قِسمة ما عُدِلَ فيها، وما أُرِيدَ بها وجه الله!
فسمعَه عبد الله بن مسعود، فقال: واللهِ لأُخبرنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم بهذا!
فأتى النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم وأخبره بمقولة الرَّجل. فتغيَّرَ وجهه من الغضب، ثم قال: فمن يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله؟! ثم هدأ على الفور وقال: يرحمُ الله موسى، قد أُوذي بأكثر من هذا فصبر!
فقال عبد الله بن مسعود في سِرِّه: واللهِ لا أرفعُ إليه حديثاً بعد هذا!
قالت العربُ قديماً: إرضاءُ الناسِ غايةٌ لا تُدرك!
ولو تأملْتَ حالَ الناسِ لوجدتَ فيهم سَخطٌ على الله سبحانه، هذا الذي لا يقنع برزقه، وذاك الذي يحسدُ غيره على وظيفة، وتلك التي تنظرُ إلى بيتِ فُلانة، وهؤلاء الذين ينظرون إلى ما يملك أولئك، فلا تتوقَّعْ وأنتَ الإنسان الذي يُخطئ ويُصيب أن يرضى كل الناس عنك! الناس الذين لم يرضوا بقسمةِ ربِّهِم لن يرضوا عن قِسمتك، وإذا كانت قسمة النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم لاقتْ انتقاداً فأين أنتَ منه حتى يُعجب كل الناس بكل صوابٍ تقوم به؟!
يرحمُ الله موسى، قد أُوذِيَ بأكثر من هذا فصبرَ!
كان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يتعزَّى بسيرة إخوته الأنبياء الذين أتوا قبله، ويا له من عزاء، فتعزَّ أنتَ أيضاً!
إذا كان لكَ ولدٌ عاق فتعزَّ بنوحٍ عليه السلام، فله ابنٌ ورفضَ أن يركبَ معه في السفينة!
وإن كان لكَ أبٌ على المعصية فتعزَّ بإبراهيم عليه السَّلام، فقد كان أبوه آزر مُشرِكاً!
وإن كان لكَ زوجة تعصيكَ ولا تسمعُ كلمتك فتعزَّ بنوحٍ ولوطٍ عليهما السلام، فقد كان لكلٍّ منهما زوجة كافرة!
وإن كان لكِ زوجٌ عاصٍ فتعزِّي بآسيا بنت مزاحم، بنى الله سُبحانه لها بيتاً في الجنة وهي زوجة فرعون الذي كان يقول «أنا ربكم الأعلى»!
إن كان لكَ قريبٌ فاجرٌ فتعزَّ بالنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فطالما نَعَتَهُ عمه أبو لهب بالكذاب والساحر ناهيك عن الأذى الذي صبَّه عليه هو وزوجته الفاجرة أم جميل!
إن فقدْتَ عزيزاً فتعزَّ بيعقوب عليه السلام
وإن مرضتَ مرضاً شديداً فتعزَّ بأيوب عليه السلام!
وإن قيل فيكَ ما ليسَ فيكَ فتعزَّ بيوسف عليه السلام!
سيرةُ الأنبياء ليستْ مادةً قَصصيةً للتسلية، وإنما دروس للعِظة والاعتبار!
بقلم: أدهم شرقاوي
copy short url   نسخ
04/06/2020
3392