+ A
A -
لا أظن عيداً مرَّ على هذه الأمة وهي في حال أسـوأ من الآن. ماذا جرى لهذه الأمة؟ أين عـقلاؤها وحكماؤهـا؟ بل أين عـقـلها؟ أما أن يـدَّعي أحـد أن الأمـور عـلى ما يرام، فهذا هو الغباء المطلق أو السفاهة والحماقة المطلقة التي أعيت الأطباء. هل يعقل أن يعرف المريض الدواء الذي يراه أمامه ثم يرفضه؟ لا يفعل هذا إلا الأحمق والمجنون والطفل الصغير. هل يعقل أن يعرف تائه طريق الخروج من المفازة التي ضل فيها، ثم يرفض السير في هـذا الطريق؟ إذا استعرض مراقب شـريط الأحداث منذ خرج الاسـتعمار من ديارنا، يجد كل يوم أسوأ من سابقه، حتى صار بعضنا يتحسر على أيام الاستعمار، وألتمس لهم العذر في ذلك، وعلى أيام المستبدين الطغاة، فقد كانوا ينعمون بالأمن على الأقل.
العيد يعني الفرح، ولكن للفرح مقوماته وأسبابه، لا أعتقد أن الفرح يزور الجائعين المشردين الهاربين من الموت، أو الذين اقتلعوا من بيوتهم ورموهم بعيداً. ولا أعتقد أن الفرح يزور أسرة فقدت معيلها أو ابناً لها، أو أباً فقد زوجته وأولاده. من الصعب أن يفرح اليتيم والثكلى، فكيف إذا كانا هاربين بحياتيهما، مشـردين هنا وهناك، يتقاذفهم الناس بغضب وازدراء وعنصريـة، فكأنهم اختاروا لأنفسهم هذا المصير؟ من أين يأتي الفرح إلى هذه الأمة؟
العيد يعني أن يجـتمع الأهـل والأحباب والأصدقاء على موائد قوامها الحب قـبل الطعام، فهل يجتمـع الناس في العـراق وسـورية واليمن وليبـيا؟ والعـرب أمة واحدة، وهكذا وصفهـا الـلـه سبحانه وتعالى «إن هذه أمتكم أمة واحدة» ولكننا نبدو مصرين على مخالفة الوصف الإلهي، الأمة الواحدة كالأسرة الواحدة «والمؤمنون كالجسـد الواحد إذا اشـتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى» فهل نحن ملتزمون بهذا الأمر النبوي؟ قد أستغرب أن يتبادل بعض قادة الأمة التهاني بحلول العيد. حتى على مستوى مجلس التعاون الخليجي (وكان منذ 1981 أملاً بأن يكون مثـلاً يحتذى في لمّ شـتات العرب وتوحيـد كلمتهم) لم تعد الأمور كما كانت، ولم تكن يوماً على مستوى طموحات الشعوب وتطلعاتها وآمالها.
لكنني سأفرح. هل أناقض نفسي؟ كلا، سـأفرح لأن الخير في الأمة إلى يوم القيامة، سـأفرح متعلقاً بأهداب الأمل، والأمل «عشبة تنبت حتى بين القبور» كما قال هيجو. سأفرح لأنني لا أقـنط من رحـمة الـلـه، والـلـه رحـمن رحيـم، وهـو سـبحانه أحنى عـليـنا مـن أم رؤوم على أولادها. سأفرح لأني أحلم بمستقبل يأتي كالفجر بعد الظلام، قد لا أشهده، ولكني كلي أمل أن يشهده أولادي وأحفادي، ولا أملك إلا الدعاء.
بقلم: نزار عابدين
copy short url   نسخ
25/05/2020
1070