+ A
A -
هذه ملاحظات عن أعمال درامية قدمت للمتلقي خلال شهر رمضان المبارك. ومعلوم ان العالم يعايش حاليا ظروفا استثنائية بسبب جائحة كورونا، وقد أثرت تلك الجائحة على العديد من المظاهر الدينية والعادات الاجتماعية التي ارتبطت بالشهر الكريم من حيث اتباع العديد الإجراءات الاحترازية ومنها فترات الحظر التي تفاوتت حسب ما تفرضه الأوضاع والإمكانيات من دولة لأخرى، وتم تعطيل الكثير من الأنشطة الاقتصادية ومنع التجمعات بأنواعها وهو ما نتج عنه تزايد فترات البقاء داخل المنازل لقطاعات واسعة من الشعوب وبالتالي ارتفعت معها نسبة المشاهدة للأعمال الفنية والدرامية والترفيهية بكافة تنوعاتها على مختلف الشاشات والمنصات الرقمية ووسائل التواصل.
على مر عقود ومنذ دخول المنطقة مرحلة البث التليفزيوني منذ خمسينيات وستينيات القرن العشرين وبشكل تراكمي مثل شهر رمضان ما يشبه الموسم السنوي الذي ينتظره صناع الدراما لتقديم وجبة دسمة من الأعمال المختلفة والمتنوعة والتي يختلط فيها الترفيه بتمرير رسائل معينة فقد كان ولا يزال العمل الفني بشقيه التليفزيوني والسينمائي بشكل خاص يخضع في منطقتنا العربية لمعايير رقابية صارمة تحددها الدول المنتجة وغالبية الإنتاج تسيطر عليه ما اصطلح على تعريفه في وقتنا الحالي بمعسكر «الثورة المضادة»، ولا يسمح بخروج أي عمل للنور لو لم يكن على هوى تلك الأنظمة الحاكمة المنضوية تحت لوائه حتى لو حاول الكثيرون إدعاء العكس، واعتمادًا على قاعدة أن الصورة تساوي ألف كلمة فقد شكلت الأعمال الفنية ما يشبه الأرشيف الذي يمكن من خلاله استشفاف ومعرفة توجه النظام الحاكم في عهد بعينه وتوقع بنود الأجندة السياسية لحلف ما تكون فيه الجهة المنفذة للعمل الفني بمثابة رأس حربة بحيث تتكامل ثلاثية التخطيط والتمويل والتنفيذ.
كثيرًا ما تم استخدام الأعمال الفنية كوسيلة لتشويه النظام أو الرئيس والحاكم السابق أو لشيطنة جماعة أو حزب أو توجه ما معارض للنظام الحاكم أو للحشد لأهداف وتوجهات محددة تخدم النظام الحاكم في تمرير أجندة متفق عليها مع حلفاء خارجيين يدعمونه بأسباب البقاء والاستمرار حتى لو كانت تلك الأجندة يعارضها غالبية الشعب الذي سيدفع فاتورتها من مقدرات بلاده وأمنها القومي وحتى رقعتها الجغرافية ويجعلها بمعزل عن عمقها الإقليمي بشقيه العربي والإسلامي وسيتحمل تبعاتها الكارثية في الوقت الحاضر والمستقبل وعلى حساب الماضي المرتبط بقضايا وهموم الأمة العربية والإسلامية، وبات واضحًا في السنوات القليلة الماضية أن العمل يجري على قدم وساق على سحق تلك القضايا وشيطنة أصحاب الحق فيها وتجاهل تلك الهموم، وإكراه المشاهد العربي على تلقي جرعات مكثفة ومتتابعة لتسميم وعيه بطريقة ممنهجة الهدف منها قلب الموازين وتغيير البوصلة والترويج لمحالفة من هو أولى بالخصومة ومحاربة من هو أحق بالمؤازرة، في خطوات واضحة لكل ذي عقل تأتي ضمن مخطط خبيث لتشويه الهوية العربية والإسلامية ونشر سلوكيات خاطئة دخيلة على مجتمعاتنا لا تخطئها عين المتابع لما يتم طرحه مؤخرًا وما يتم بثه بشكل مكثف على الشبكات والمنصات التابعة لحلف الثورة المضادة في شهر رمضان المبارك.
ويمكن ملاحظة أن تلك الأعمال وإن اختلفت لهجاتها تبعًا للدول والجهات المنتجة لها فقد تكاملت بحيث باتت تتلخص في ثلاثة محاور رئيسية أولها: شيطنة المخالفين لتلك الأنظمة وصهر المتطرفين والمعارضين وطلاب الحرية والاستقلالية والعدالة في بوتقة واحدة عنوانها الإرهاب، وثانيها: تشويه القضية الفلسطينية ومهاجمة الشعب الفلسطيني بصورة واضحة في محاولة لتصويره كناكر للجميل والجاحد لأشقائه العرب والمتخلي عن أرضه وقضيته لأجل المال والمنفعة الشخصية بالتزامن مع الدفع المحموم باتجاه فرض التطبيع عنوة مع دولة الاحتلال وتعمد الخلط بين اليهودية والصهيونية ورسم صورة تكاد تكون ملائكية لمن يحتل الأراضي العربية في فلسطين والتي حلت الذكرى ال72 للنكبة منذ أيام قليلة وتتزامن مع تصعيد اسرائيلي غير مسبوق في ظل تهديدات وخطوات لضم المزيد من الأراضي الفلسطينية لدولة الاحتلال في نكبة جديدة تستهدف أهلنا وأرضنا في فلسطين، وثالثها: نشر عادات وسلوكيات دخيلة على مجتمعاتنا العربية من ترويج للبلطجة والعنف تجاه العائلة والمجتمع وإظهار أن الطرق الملتوية والمخالفة للدين والشرع والقانون هي أسرعها للوصول للمكاسب الدنيوية وفرض الهيمنة من المنظور الفردي وأن الحرية والاستقلالية والتمدن لا يتم تحقيقهم إلا بالتخلي عن القيم والعادات والتقاليد الضامنة لعدم سحق وحدة المجتمع وتمنع تفككه وتحول دون سقوطه فريسة لثقافة غريبة عنه ودخيلة عليه هدفها تمزيقه، فليس كل قديم بالضرورة متخلفا وليس كل حديث بالتبعية متحضرا، فلمصلحة من يتم بذل كل تلك الجهود وانفاق كل هذه الأموال وتسخير كل تلك المنصات في صراع محموم لسلخ الشعوب العربية عن جذورها وإبعادها عن هويتها وتشويه وتزييف وعيها ونسف كل قضاياها العادلة وتسفيه أحلامها المشروعة، سؤال الإجابة عليه ستجعل من يطرحه يدرك بشكل قاطع من هو العدو والخصم الحقيقي وماهية أجندته وبنك أهدافه ومن هم أذرعه وحلفاؤه وتوابعه في المنطقة العربية والإسلامية.
بقلم: جمال الهواري
copy short url   نسخ
23/05/2020
2413