+ A
A -
رغم أن العمل الروائي قد ينجح في توثيق اللحظة الراهنة، وفي توثيق ما يمكن للتاريخ أن يمحوه (فالتاريخ يكتبه المنتصرون)، إلا أن ذلك لا يبرر هذا الكم الهائل من الأعمال الروائية المتعلقة بالحرب، فالتوثيق عمل آخر، ليس من مهام العمل الأدبي، كما أن السينما والصورة في عصرنا الحالي أشد تأثيرا في تجسيد اللحظة وتوثيقها وانتشارها من العمل الأدبي، مهما كان العمل الأدبي عظيما، الأدهى أيضا أن معظم من يكتبون أعمالا روائية وسردية عن الحرب يعيشون خارج الحرب منذ زمن، منهم من هو مغترب منذ ما قبل الحرب والثورة بسنوات طويلة، ومنهم من خرج من سوريا منذ السنة الأولى للثورة، هؤلاء يكتبون أعمالا روائية تخييلية عن حرب حاصلة بالفعل الآن وهم منهمكون بالكتابة، سمعت عن دار نشر غربية منحت شابا لم يتجاوز الثلاثين عاما اليوم منحة كبيرة ليتفرغ لكتابة رواية عن الحرب وهو يعيش في دولة أوروبية منذ عام 2012، أي خرج من سوريا وهو لم يتجاوز العشرين عاما من عمره، ما الذي رآه هذا الشاب من الحرب ليكتب عنها عملا روائيا ما؟! قد يقول أحدهم أن غالبية الروايات العالمية التي كتبت عن الحروب كتبها روائيون لم يعيشوا الحرب، بل سمعوا عنها من آبائهم وأجدادهم، وهو صحيح تماما، لكن هذا البعد الزمني يتيح للكاتب أن يرى الحدث الماضي من زوايا متعددة، إنسانية وأخلاقية ولوجستية وفنية، بحيث يغني عمله بتفاصيل إنسانية كبيرة، فالحرب عموما بين طرفين، وليس هناك ما يسمى في الحياة أبيض وأسود.
وحتما هذه الثنائية غير موجودة في الأدب، هناك تفاصيل إنسانية في كل جانب من جوانب الحرب، المسافة الزمنية تلغي الانحياز نسبيا، الانحياز هو ما يجعل تيمة الثنائيات قائمة، في العمل الأدبي يحتاج الكاتب إلى نظرة بقدر ما هي بانورامية للحدث بقدر ماهي عميقة ومنصفة، حين نكتب عن الحرب وهي دائرة فنحن نكتب بشكل تلقائي عن انحيازاتنا وعن رؤيتنا للحدث بناء على انتماءاتنا الهوياتية والأيديولوجية، فكيف إذا كنا أصلا لا نرى من الحدث سوى مادة للكتابة اليومية؟! أين التأمل فيما يحدث وفي أسبابه التاريخية والحالية على كل المستويات: الثقافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية؟! ما ينتج حاليا من أدب سوري لا يمكن بحال من ألأحوال وضعه تحت بند (أدب الحرب) إذ أن أدب الحرب يلزمه حقبة زمنية تفصل بين الحدث وبين الكتابة عنه، ما يكتب اليوم هو مجرد ترجمة لغوية وقصصية لانحيازات الكاتب، وهو ما يجعل ثمة تشابه في الحدث الروائي بين الروايات السورية التي تصدرها دور النشر تحت بند روايات الحرب السورية.
بقلم: رشا عمران
copy short url   نسخ
15/05/2020
1404