+ A
A -
خرجَ حنظلة بن الربيع من بيته ضَجِراً، فلَقِيَهُ أبو بكر الصديق في الطريق وسأله: كيف أنتَ يا حنظلة؟
فقال: نافقَ حنظلة!
فقال له أبو بكر: سُبحان الله، ما تقول؟
قال: نكونُ عند رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يُذكرنا بالجنة والنار كأننا نراها رأي العين، فإذا خرجنا من عنده عافسْنَا الأزواج والأولاد والضيعات فنسينا كثيراً!
فقال أبو بكر: فو اللهِ إنَّا لنلقى مثل هذا!
فانطلقا حتى إذا أتيا النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فقال له حنظلة: نافقَ حنظلة يا رسول الله!
فقال له: وما ذاك؟
قال: نكون عندكَ تُذكرنا بالجنة والنار كأننا نراها رأي العين، فإذا خرجْنا من عندك عافسْنا الأزواج والأولاد والضيعات فنسينا كثيراً!
فقال له النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: والذي نفسي بيده لو تدومون على ما تكونون عندي لصافحتْكُم الملائكة في الطرقات، لكن يا حنظلة ساعة وساعة!
تفقَّدْ قلبكَ، راقبْ دوماً مِقدارَ الإيمان والخشية فيه، تعظيمَه لحُرُماتِ الله، رأفتَه ورقتَه على خلق الله، انصياعَه للحق، حبه للدين وأهله، وكراهيتَه للكُفر وأهله، ما خرجَ حنظلة من بيته ضَجِراً إلا لأنه تفقَّدَ قلبَه فلم يجدْهُ ذاك القلب الذي يجدُهُ عند النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم! يعزُّ على المُؤمن أن يتراجعَ في الطريق إلى الله، يُؤلمه النوم كل الليل بعد أن كان يقوم منه شيئاً، ويحزُّ في قلبه أن تفوتَه صلاة الفجر في المسجد وقد كان من أهلها، يُزعجه أنه لم يعد سابقاً للخيراتِ كما كان!
تفقَّدْ قلبَكَ ولا تركنْ إلى ماضيك المشرق في الطاعة، فكم من قدمٍ زلَّتْ بعد رسوخِها، وكم من جبهةٍ فترتْ بعد طول سجود، فإن العبرة بالخواتيم!
ساعةٌ وساعة أي أن المُسلم يستحيلُ أن يبقى على وتيرةٍ واحدةٍ من العبادة، ثمة حياة عليها أن تمضي قدماً، هناك وظيفة وأكل عيش، وهناك زوجة وأولاد، وهناك أقارب وأصدقاء وجيران، وزيارات ومناسبات وهذا شيء طبيعي ومفهوم، هذا هو معنى ساعة وساعة.. وإنها لا تعني أن تكون ساعة لربك وساعة لشيطانك! ساعةٌ في المسجد وساعةٌ في الملهى الليلي، وساعةٌ بثوبِ الصلاة وساعةٌ متبرجة متعطرة، ساعةٌ تتصدَّقُ وساعةٌ تأكل الربا، ساعةٌ مع صُحبةٍ صالحةٍ وساعةٌ مع صُحبةٍ فاسدةٍ!
ساعةٌ وساعة تعني أن لا تكون في عبادة ولكنك في المُباح لا في الحرام! وحتى المُباح الذي تحتسبه عند الله هو عبادة، فزيارةُ القريبِ بنية صلة الرحم عبادة، وتحصيلُ الرزقِ بنية أكلِ الحلال والكفِّ عن سؤال الناس عبادة، هذا الدين العظيم جعل اللقمة التي يرفعُها الرجلُ إلى فمِ امرأتِه صدقة!
بقلم: أدهم شرقاوي
copy short url   نسخ
14/05/2020
3854