+ A
A -
يعقوب العبيدلي
سطورنا التالية فيها من اللطافة والظرافة والعبرة الشيء الكثير، شاب تزوج وأنجبت له زوجته تسعة من الأولاد الذكور، وكلما بشروه بولد تتطاير من فمه الضحكات، لشعوره بالزهو، وفي الحملة الأخيرة العاشرة بشروه بمولودة أنثى، فانزعج وتضايق، وحمل نفسه ما لا يطيق، فقام يصيح ويصرخ «يا ليلي الأسود، يا ليلي الأسود» لشعوره بالإهانة والنقص والقصور والدونية لأنه رزق بالبنت ! راحت الأيام ومضت السنين والسنون، كبروا الأولاد وتزوجوا، وانشغلوا بهمومهم وبزوجاتهم وأولادهم عن والدهم الذي كبر، وحلت عليه الأمراض، وفقد معها بصره، وقد توفيت زوجته، أم أولاده، وانشغل عنه أولاده بهمومهم وانشغالاتهم، سمعت ابنته بوضع والدها غير الطبيعي، وأزماته الصحية المتكررة، فقررت الاعتناء به، وتحمله رغم صعوبة ظروفه الصحية، صارت تغسل ملابسه، وتعتني بشرابه، وطعامه، ومجالسته، وأدويته، وتناظره، تناظر وضعه الصعب، وطيبته، وتسمع لأحاديثه، وهو يقول سامحيني يا ابنتي، سامحي والدك، الذي قال فيك يوماً «أنت ليلي الأسود يا بنتي» عندما بشروني فيك ! وراح يبكي وهو يردد
يا ليت الليالي كلها سود، دام الهنا بسود الليالي
لو الزمان بعمره يعود، لحبها بأول وتالي
ما غيرها يبرني ويعود، ينشد عن سواتي وحالي
ما غير ريح المسك والعود، كل يوم أشوفها قبالي
ليت الليالي كلها سود، دام الهنا بسود الليالي
هؤلاء الأولاد الذكور الذين نتفاخر بهم، ونتقاتل ونتخاصم، وتنفك روابط، وتخرب علاقات من أجلهم، ربما لا نستفيد منهم وقت الحاجات، وفي الملمات، والأزمات، وعند الشدة، ربما البنت هي الزينة، والريحة الخنينة، في الوقت الصعب، هي المفتاح والبشر والانشراح لصدر ذويها، إن الخير كله في حب الأولاد البنين والبنات جميعاً، والشر كله في التفريق بينهم في القبول والحب والمعزة والمكانة، تأسياً بسنة رسولنا وحبيبنا محمداً صلى الله عليه وسلم «رفقاً بالقوارير» ووجوب صيانتها من الانكسار والضياع وقس على ذلك في كل الأمور.
وعلى الخير والمحبة نلتقي.
بقلم: يعقوب العبيدلي
copy short url   نسخ
02/05/2020
3859