+ A
A -
رأى النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم خاتماً من ذهبٍ في يدِ رجُلٍ من الأنصار، فنزعَه من يده، ثم طرحه أرضاً وقال: «يعمدُ أحدكم إلى جمرةٍ من نارٍ فيجعلها في يده»!
فقِيل للرجلِ بعد أن مضى النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: خُذْ خاتمكَ انتَفِعْ به!
فقال: لا واللهِ لا آخذه أبداً وقد طرحه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم!
درسٌ عظيمٌ من دروسِ الدعوةِ إلى الله تعالى، يُقابله درسٌ عظيمٌ في الاتِّباع!
قارِنوا بين موقف النبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم مع الأعرابي الذي جاء من الباديةِ وبَالَ في المسجد، فنهرَه الصحابة، فأمرَهم النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أن يترفَّقوا به، ولا يرفعوا أصواتهم في وجهه، وبين موقفه من الأنصاري الذي اتَّخذ خاتماً من ذهب!
إنَّ الفارق بين التصرُّفين ليس بسبب التفاوتِ بين الفعلين، ولا يُستنتج من الموقفين أنَّ التبوُّلَ في المسجد أمرٌ يسير، وأنَّ خاتمَ الذهب للرجال كبيرةٌ من الكبائر، وإن كان مُحرَّماً بلا خلاف! وإنما الفارق بسبب الشخص الذي ارتكبَ المُخالفة، فالأول أعرابيٌّ جاهلٌ، جاء من البادية لا يعلم من هذا الدين شيئاً، وتصرَّفَ بسبب عادته ومألوفه، أما الثاني فمن أهلِ المدينة، ومن الصحابة، وقد عَلِمَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أن الرِّفق بالأعرابي لحداثةِ إسلامِهِ أصلحُ لحالِه، وأن الحزم َمع الأنصاري لنيله شرف الصحبة، ومُعايشةِ أهل الإيمان أصلحُ لحالِه!
صحيح أن الرفقَ مطلوب مع الجميع، وقد كان عليه السَّلام رفيقاً بأصحابه، ولكنها حادثة مُفردة، أراد فيها أن يُعلِّمنا أن العتب على قدر المحبة، واللوم على قدر الإيمان والسَّابقة، وأن الناس لا يُعالجون بدواء واحد!
هذا درس الدعوة، أما درس الاتِّباع فهو امتناع الأنصاري عن أخذِ الخاتم وبيعه بعد أن طرحه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم من يده، مع أن الحُرمة في لبس الخاتم وليس في بيعه، ولكنه كره لعظيم إيمانه أن يلتقطَ خاتمه وقد رماه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم.
يا لحُلو الاتباع، وجمال الانصياع والتسليم لأمر النُّبُوَّة!
لقد كرهَ أن يأخذَ خاتماً ألقاه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم مع أن أخذه حلال كما تقدَّم، فهل كرهنا نحن ما ألقاه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم من أخلاق وتصرفات وهي حرام!
لقد طرحَ الرِّبا أرضاً وهو حرام فهل تركناه، وقلنا سمعاً وطاعة فإن الحلال يُشبع وإن قلَّ، وإن الحرام لا يكفي وإن كثُر!
لقد طرحَ قطعَ الرَّحم، فهل وصلْنَا أرحامنا، وتغاضينا مرةً وتجاهلنا مرةً كي يستمر الود، لأن هذا خُلق الأنبياء وقد «أسرَّها يوسف في نفسه ولم يُبدها لهم»!
لقد طرحَ عقوق الآباء والأمهات، فهل بَرَرْناهم، وتذكَّرنا أن الوالد أوسط أبواب الجنة، وأن أحق الناس بحُسن الصحبة الأم، وقد قِيل للحسن البصري: أيختصم المرءُ مع أبويه؟ فقال: ولا مع أحذيتهما!
لقد طرحَ الإساءة إلى الجار، فهل كُنَّا خير جيرانٍ لجيراننا وتذكَّرنا أنَّ جبريل عليه السلام ما زال يُوصي النبيَّ صلى الله عليه وسلم بالجار حتى ظنَّ أنه سيُورِّثه!
ما سُمِيَ الإسلام إسلاماً إلا لأنه مشتقٌّ من الاستسلام لأمر الله وأمر رسوله، فهل قُلنا سمعنا وأطعنا؟!
بقلم: أدهم شرقاوي
copy short url   نسخ
23/04/2020
3461